اللحيدان: الإمام مسلم عانى من الحسد وطه حسين حجب آراء سواه ">
الثقافية - محمد بن مهنا الجعيد - خالد بن سهل الجهني:
نظم (جامع العمري) دورة علمية مكثفة للشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان ما بين 19-8-1436هـ حتى 24-8-1436هـ بالحوية بالطائف وذلك حول: (شرح مقدمة صحيح مسلم). حضرها جمع غفير من العلماء والمحققين في الآثار وأصول النقد العلمي، وقد كانت هذه (الدورة) بمنزلة نقلة نوعية في بيان منهج النقد عند المحدثين وجملة من كتب في السيرة أو كتب في التاريخ ما بين عام 100هـ حتى سنة 700هـ.
بدأت الدورة بمقدمة علمية قال فيها: (الإمام محمد بن الحجاج القشيري رجل أبيض اللون متوسط الطول كثير الصمت دقيق الملاحظة أبح الصوت عاش ما بين نيسابور ومرو وبخارى والعراق والحجاز، وهو من الطبقة الحادية عشرة من صغار التابعين ثقة ثبت حجة.
ويعد من الموهوبين في أصول الرواية والدراية وقد شق طريقه وسط سيل من المشاق والتعب، فقد ناصبه الحسد بعض أقربائه ووشوا به وكانوا أكبر منه سنًا وأكثر مالاً وجاهًا لكنه صبر وصابر وعالج هذا الوضع بالدعاء والحكمة وقلة الظهور.
وهذه المعاناة النفسية الأسرية ولدت الموهبة وقوة العقل وقلة الاختلاط بالناس، بل نحى نحوًا جليلاً نحو المعالي مع أنه كان وسط العيشة والحياة.
ودائمًا حسد القريب يدفع إلى قوة التأمل خاصة إذا كان القريب يستغل صغار الدعاة لكي ينال من قريبه الأصغر منه سنًا.
المقدمة ذات اتجاه رفيع من الناحية اللغوية القوية ومن الناحية التأصيلية التقعيدية فهي تعبر في ميزان النقد ذات طرح اصطلاحي منهجي سديد وأصل المقدمة إجابة عن سؤال وجه إلى الإمام مسلم فكتبها هناك وبين أن علم الحديث وحفظه وفهمه والإحاطة به قدرة زائدة على الفهم بدرجات فهي على هذا موهبة فذة، وقسم الإمام مسلم طبقات الرواة لديه إلى ثلاث طبقات ثم بدأ -رحمه الله تعالى- يشرح كل طبقة على حدة بمفردها وبين في مجمل وفي جملته أنه لا يورد إلا ما صح وثبت من حيث السند ومن حيث المتن ولا يحسن مغالطة مسلم إِذ إنه شرط في صحيحه شرطًا أعجز من جاء بعده لسبقه ودقته وتجديده، وبين الشيخ صالح بعد أمورًا مهمة في بابها كما قال: (وعلم الحديث وعلم اللغة وفقه النوازل لا يصلح لهذا كل أحد بل لا بد من قوة العقل ومن صفائه وعمقه، ولا بد من قوة الحفظ الجيد مع الفهم السديد ذلك أن العلم يحتاج مع الورع والعدل يحتاج إلى طول التأمل وشدة التحري.
(والنقد العلمي) الذي نهجه مسلم كان نهجًا ومنهجًا في آن كان نهجًا جديدًا مباركًا حذا فيه حذوًا لم يسبق إليه.
وكان منهجًا لما فيه من تأصيل وتقعيد علمي في غاية الرزانة والتماسك ودقة الاختيار، وقد ابتعد مسلم عن مجرد الوعظ والإنشاء، بل ركز على نقد علمي عالٍ في مقدمة صحيحه، وقد أورد هناك رواة بين أنهم ثقاة إثبات، كما أورد كذلك رواة ثقاة فقط وأورد أيضًا القسم الثالث الرواة الذين قد تكلم النقاد عنهم وهذا النوع لم يرو لهم مسلم بخلاف من ظن ذلك، أما بعض الرواة الذين تكلم فيهم قليل من (النقاد) (علماء الجرح والتعديل) فإن مسلمًا روى لهم (كسويد بن سعيد) -رحمه الله تعالى- روى لهم قبل أن يتغيروا ويختلطوا أي قبل أن يدخلوا مرحلة النسيان لكبر سن أو ما شابه ذلك، ثم أردف الشيخ حسب طريقته التي اتصف بها دون سواه من كبار العلماء المحققين: (ومسلم وشعبة بن الحجاج وقتيبة بن سعيد ويحيى بن سعيد القطان، وأيوب السختياني، وحماد بن زيد ويزيد بن هارون ويزيد بن زريع وحماد بن أسامة وكذا ابن سلمة أعني (حمادًا) ومثل هؤلاء أبي زرعة وأبي حاتم الرازيين، ومنصور بن المعتمد هؤلاء -رحمهم الله تعالى- اتصفوا بالروية وطول التأمل وتعاملوا مع الأسانيد والمتون وأحوال الرواة بتقديم العقل على العاطفة وجاسوا خلال الديار طلبًا للقيا كبار العلماء، ولهذا أثروا هذه الأمة بصناعة (النقد المنهجي الحر) الذي أخذ به صناع النقد في زمانهم وبعد زمانهم إلى اليوم كابن باز والألباني ومحمود شاكر، وأحمد شاكر، وبخيت المطيعي).
وقال: (ليس النقد أن تسب أو تشتم بل النقد إنما يكون: بذل بيان الخلل مع حسن الخلق وبذل دليلك أو تعليلك دون الانتصار للذات).
وقال: (لم يبلغ هذه الدرجة أعني مسلمًا إلا بتخطي كل تهمة وحسد وبغي بروح متفاءلة جدًا وقد صرف نظره جدًا عن حب الظهور بسبب جاه أو مال).
وقال: (النقد أصله (موهبة) لا يصلح معه التكلف أبدًا ولا سعة الظهور وكثرة الوجاهة وحب الترؤس).
وقال: (فالتكلف وحب الظهور وحب الوجاهة وطلب الترؤس كل هذا قد يدعو صاحبه إلى حسد من هم أصغر منه سنًا وأوسع منه علمًا وفهمًا، ولهذا حذر كبار العلماء من كل ما من شأنه أن يجعل المرء في دائرة سيئة وإن زعم أنه عالم).
وقال: (الجرح والتعديل عند مسلم وغيره من كبار العلماء خلال القرون من منتصف القرن الثاني إلى الخامس وإلى السادس من الهجرة المباركة كله إنما كان لحماية جناب التوحيد وليس لمجرد الغيبة والبهتان).
ثم ذهب الشيخ يبين الفرق بين: العلم والفهم والحفظ والرواية والدراية، والفرق بين: العالم والداعية والواعظ.
وقد دلل على هذا كله وانتقد بشدة الجرأة على الفتوى والعجلة وكثرة الحركة أثناء إلقاء المحاضرات أو الدروس العلمية.
وأوضح أن من ضرورة ضبط أصول العلم وخلوده أن العلماء يجب عليهم الإحاطة بضرورة فهم لا حفظ: الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد وضبط فهم اللغة العربية وفقهها، وهذا أمر لا يمكن بحال تركه مع ضرورة كما قال الإلمام بعلوم العصر الحديث التي لا بد منها.
وكان من آخر ما تم في هذه الدورة البكر ولعل بعضه مسجل على اليوتيوب أن طرحت عليه أسئلة رأى بعض العلماء أنها ضرورية ما دام المقام مقام نقد فكان هامش هذه الدورة كافيًا لإلقاء بعض السؤالات عليه لا سيما وجملة من الحاضرين من ذوي الاهتمام بالفتاوى والتحقيقات العلمية والنقدية، فكان من ضمن هذه الأسئلة هذه الأسئلة:
* ما تقولون:
بابن عثيمين؟
- الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين فقيه متمكن وبارع في فنه جدًا... ومثلي لا يسأل عنه.
* أحمد جاد المولى؟
- هذا مؤلف مصري جيد لكنه يعد من الباحثين غير المحققين في الأسانيد وصحة المتون، قرأت له (قصص العرب)، فألفيته لم يتقن الاختيار.
* ابن باز.
- إمام متضلع في علم الحديث وفقه النوازل وهو من العلماء القلائل.
* عبدالوهاب أبو سليمان؟
- باحث جيد وذو نفس طويل، وهذه صفة مطلوبة لكنه يقع له أثناء التحقيق آثار فيها نظر ولعل هذا سببه أنه يعول على كتب التاريخ دون دراسة للسند وحقيقة أحوال الرواة.
* طه حسين؟
- أديب وناقد وذو أسلوب جيد (وهو السهل الممتنع).
وكونه ناقدًا ليس معناه أنه موهوب كلا... فهو يعرض ثم يطرح رأيه بجرأة دون طرح للآراء الأخرى بدقة وكمال، وقد وقع له بسبب هذا ردود فعل سيئة كان يكون بمنجاة منها لو تأمل وراجع وتجرد.
* العقاد.
- كتبت كتابي (نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين) 600 صفحة حوله فآمل الاطلاع عليه.
* حمد الجاسر.
- باحث ملم ومحقق جيد له آراء جيدة في كثير من الآثار والمواقع.
* عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ؟
- كلامي فيه مجروح فهو أستاذي في سنتي (ثاني وثالث متوسط)، عالم صريح وواضح وملم في مسائل الفقه، ولم أزل استفيد منه ولو عن طريق القراءة له.
* أحمد بن محمد باشميل؟
- باحث في السيرة والغزوات وواسع النظر في هذا، قرأت له وأنا ابن 18 عامًا غالب كتبه لها فضل كبير في إظهار حقيقة الغزوات.
* أدونيس؟
- شاعر سوري علوي له قصائد مبثوثة هنا وهناك وبيني وبينه أنه جرئي على الثوابت، وكتابه (الثابت والمتحول) سمعت أنه سرقه.
* أمل دنقل.
- شاعر مصري جيد له: (لا تصالح)، سمعت أنه في مرضه رجع عن كثير مما قاله وهو شاعر حساس.
* عبدالمجيد حسن؟
- إمام الحرم النبوي عضو هيئة كبار العلماء توفي قديمًا رجل ساكن وورع ومتواضع له جهود جيدة في سياسة النقاش إِذ هو صاحب روح خلابة في الهدوء والسكينة.
* صالح بن علي بن غصون.
- رجل واضح وصريح ومتواضع ملم جدًا (بكتاب المغني) لديه بديهة جيدة وحضور جيد في كل نقاش.
* ما تقولون في حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
- ضعيف.
لكن سمعت من قال: (إنه حديث حسن)؟
من قال؟ وكيف؟