تفسير (روح المعاني) وتفسير (غرائب القرآن)
* هل تنصحون طلاب العلم باقتناء تفسير (روح المعاني) للألوسي وتفسير (غرائب القرآن) للنيسابوري؟
- بالسنبة لتفسير الألوسي المسمى بـ(روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) أولاً: مؤلفه الألوسي نقشبندي العقيدة، ويعتمد تفاسير الصوفية، ويكثر من التفسير الإشاري، وردَّ على كثير من المحققين في بعض المواضع كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم انطلاقًا من مذهبه الصوفي، والكتاب -من باب الإنصاف- فيه فوائد عظيمة جدًّا، وهو جمع لكثير من كتب التفاسير، وفيه أيضًا استنباطات للألوسي، فهو مفيد جدًا، وفيه أيضًا ما فيه من حيثية تأثره بالتصوف ونقله أيضًا عن بعض المبتدعة، وتجده لا يفرق بين إمام محقق وبين صوفي مُغرق، فتجده أحيانًا يقول: قال العلامة ابن القيم ويترحم عليه، وتجده في الصفحة نفسها أو الموضوع نفسه يقول: «وقال محيي الدين بن عربي قُدِّسَ سره». فهذا جمع بين المتناقضات، فمثل هذا لا يسوغ لآحاد الطلاب والمبتدئين منهم النظر فيه، لا سيما وأن حاجته تتم بأدنى من ذلك، إذ الكتاب مطوّل جدًا. وأما بالنسبة لطلاب العلم المتمكنين وأهل العلم فلهم أن ينظروا في ذلك، وهم يميزون بين الغث والسمين، والحق والباطل.
وأما تفسير النيسابوري المسمى (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) فهو تفسير متوسط، ومطبوع على هامش (تفسير الطبري) قديمًا، ثم طبع في مطبعة الحلبي مفردًا، وهو تفسير فيه فوائد، وهو ملخص في جملته ومختصر من (تفسير الرازي)، وهو أسلم من (تفسير الرازي) لطلاب العلم، ومع ذلك فيه من أقوال المتكلمين، وفيه من مسائل الاعتقاد المخالفة لأهل السنة، مع أنه نُبز بأن فيه تشيُّعًا؛ لأنه قُمِّي من قُمْ، وأشار إلى الوصية: «اللهم صل على محمد وآله ووصيِّه» في موضع، المقصود أن فيه شيئًا من التشيُّع، وتفسيره ملخص لـ(تفسير الرازي) وهو أسلم من (تفسير الرازي) بكثير، ومع ذلك لا يسلم من شوب البدعة، ففيه اعتماد على أقوال المتكلمين، وهذا مثل ما قيل في (تفسير الألوسي) يقال فيه: أن آحاد المتعلمين والمبتدئين لا يصلح لهم النظر فيه ولا القراءة فيه؛ لأنهم يتأثرون بمثل ما ذهب إليه، وأما بالنسبة للمنتهين وأهل العلم فإن هؤلاء يستفيدون منه فائدة، ويَحذرون ما فيه، ويميزون بين الغث والسمين، والحق والباطل.
* * *
الاتكاء على المصحف
* ما حكم الاتكاء على المصحف؟ ويلاحظ أيضاً أن بعضاً من المصلين يمد رجليه إلى الصندوق الذي يحمل المصاحف، فما حكم مثل هذا العمل؟
- الاتكاء على المصحف محرم؛ لأنه من امتهان وابتذال كلام الله -جل وعلا-، وقُل مثل هذا إذا قصد وضع شيء عليه، فلا شك أن هذا امتهان لكلام الله -جل وعلا-، الذي هو أشرف الكلام، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فالواجب على المسلم احترام كلام الله -جل وعلا-، وإذا كان تعظيم الشعائر من تقوى القلوب، فتعظيم كلام الله -جل وعلا- الذي هو صفة من صفاته من باب أولى، بل هو فرع من تعظيمه.
في (الآداب الشرعية) لابن مفلح يقول: (يكره توسد المصحف)، ولا شك أن المراد بالكراهة هنا كراهة تحريم؛ لأن هذا لا شك أنه ابتذال وامتهان.
وأما مد الرجلين إلى المصحف أو إلى ما يوضع فيه المصحف فهذا امتهان وابتذال كذلك، لكنه فيما يظهر أخف من مسألة المباشرة بالاتكاء أو الاضطجاع أو توسد المصحف هذا مع القصد، أما إن حصل هذا من غير قصد فالأمر فيه سهل، فإذا قصد الامتهان والابتذال فالأمر أعظم، بل هذا من عظائم الأمور، أما إذا حصل شيء من غير قصد ولا انتباه، كمن يحمل كتباً وينقلها من مكان إلى مكان فوجد بينها مصحفًا فوقه كتب من كتب العلم أو غيرها من الكتب، فمثل هذا غير مقصود، فالأمر فيه سهل، وإلا فالأصل أن تُرَتب هذه الكتب على حسب شرفها، وأهل العلم ذكروا أن كتب الأدب والتواريخ والعربية وقواميس اللغة وما أشبه ذلك تجعل تحت كتب الفقه، وكتب الفقه تجعل تحت كتب الحديث، وكتب الحديث تجعل تحت كتب التفسير، مع أنه ينبغي أن يفرق بين كتب الحديث الصرف من كتب التفسير التي فيها تفسير بالرأي، فيجعل الحديث باعتبار كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- فوق كتب التفسير التي غالبها تفسير بالرأي، أما إن كانت تفاسير بالأثر فحكمها حكم كتب الحديث، وأماَّ كلام الله -جل وعلا- ففوق الجميع.
* * *
نقض الوتر
* من أوتر قبل النوم، ثم قام قبل الفجر، هل يصلي واحدة، لينقض وتره الأول ثم يوتر آخر الليل؟
- من أوتر قبل أن ينام اتباعًا لوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لبعض أصحابه؛ كأبي هريرة وأبي الدرداء -رضي الله عنهما- «وأن أوتر قبل أنام» [البخاري: 1981]، فلا شك أن الوتر قبل النوم أضمن؛ لئلا يفوت ويضيع الوتر، لكن من وثق من نفسه أو غلب على ظنه أنه يقوم من آخر الليل فلا شك أن الوتر آخر الليل وفي الثلث الأخير وقت النزول الإلهي أفضل، وهذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان من النوع الذي لا يغلب على ظنه أنه يقوم من آخر الليل أوتر أوله، فإذا تيسر له القيام من آخر الليل، فمن أهل العلم من يرى أنه يصلي ركعة تنقض وتره الأول، ولكن هذا القول ليس بصحيح؛ لأنه جاء: «لا وتران في ليلة» [أبو داود: 1439]، ونقض الوتر بهذه الطريقة يقتضي أن يكون في الليلة الواحدة ثلاثة أوتار، وقد جاء المنع من وِترين؛ لأن النفي يراد به النهي، وعلى هذا فلو أوتر من أول الليل، ثم تيسر له أن يقوم من آخره، فليصل مثنى مثنى، حتى يطلع الصبح، ويكفيه الوتر الأول.
* * *
حكم القراءة من المصحف
* لاحظت على بعض الإخوة أنه يصلي السنة الراتبة وهو يحمل المصحف يقرأ ويطيل، ولما قيل له في ذلك، قال: (إن هذا يعينني على قراءة القرآن)، ومثل هذا يقع يوم الجمعة قبل دخول الإمام، فهل عمله هذا صواب؟ وهل يُنكر عليه؟
- حَمْلُ المصحف من قِبَلِ المصلي أثناء صلاته ليقرأ ويطيل القراءة لكونه لا يحفظ القرآن أو لا يضبطه أو يكثر من الأخطاء لا حرج فيه، وقد ثبت أن عائشة -رضي الله عنها- اتخذت إمامًا يقرأ من المصحف [مصنف بن أبي شيبة: 7217]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حَمَل أمامة بنت زينب وهو يصلي فإذا قام حملها، وإذا سجد أو ركع وضعها، وهذا في الصحيحين [البخاري: 516/ مسلم: 543]، وحَمْلُ المصحف أسهل من حمل الآدمي، فإذا صح منه -عليه الصلاة السلام- حمل أمامه في الصلاة، فلا مانع حينئذٍ من حمل المصحف، لا سيما وأنه مما يعين على إطالة القيام الذي هو القنوت، قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]
أما بالنسبة للمأموم في صلاة التراويح فالمتجه في حقه الإنصات للإمام والاستماع له، وألا ينشغل بغيره فمثل هذا لا ينبغي، أما إذا كان إمامًا ولا يحفظ القرآن ويقرأ من مصحف فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى.
يجيب عنها : معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء - عضو اللجنة الدائمة للفتوى