رواية: الأديب - محمد بن عبد العزيز الداود
قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف - بنت الأعشى -
رواية (أوراق طالب سعودي في الخارج)، رواية جميلة لكاتب سعودي وهو الأستاذ «محمد بن عبد العزيز الداود» أبدع في سردها ومحتواها وشخصياتها، ومن ملامح جمالها كثرة الشخصيات التي دعمت الراوي وشجعته على الاستمرار في موهبته، وقد أزجى لهم الراوي كلمات التقدير والشكر والامتنان حيث قال: (خلال ستة أشهر مضت وهي مدة كتابة هذه الأوراق حظيت بدعم رائع ومميز من العديد من الزملاء والأصدقاء والأقارب، فهم السبب الرئيس بعد الله - عز وجل - في تواجد هذه الصفحات بين أيديكم فشكراً لهم ولكم) ثم سرد المؤلف أسماء الذين شجعوه وهم كثر، تزيد أسماؤهم على الأربعين اسماً وهذا وفاء من المؤلف لهم وإقرار بفضلهم، هذه الرواية يبدو لي أنها باكورة إصدارات المؤلف، وقد انبعث إصدارها من قِبل مكتبة العبيكان الرائدة، وعدد أوراقها يربو على الثلاثمائة ورقة، وفيها خمسة عشر فصلاً، وهي تحكي قصة العرب من الشباب الذين تم ابتعاثهم إلى دول أجنبية ليغرفوا من معين اللغة الأجنبية الإنكليزية وليس فهمها قصراً على طبقة مثقفة من القراء، بل هي متاحة للجميع خصوصاً الشباب ليتم اقتباس المثل الأخلاقية، والعادات المثالية من خلال تتابع الراوي في سرده، وهو يحكي لنا حكايته، ويقص علينا قصته بدعابة ومرح واستمتاع وهي مثيرة للضحك بنفَس خفيف، ونَفْس متفائلة، وتأتي أحياناً مؤلمة فهو غريب في بلد كبير، وانتقل من عالم العروبة والإسلام، إلى عالم نيوزلندي مختلف تماماً على ما شبّ طوقه عليه، وفي طبيعة وجمال هذه البلاد يقول: (على ضفتي النهر امتد بساط أخضر إلى ما لا نهاية، وتناثرت أشجار باسمة ملونة فتلك برتقالية اللون، والأخرى صفراء، وتلك حمراء وخضراء، لقد درست في المدرسة بأن الأشجار في فصل الخريف تتلون، وبرهن أستاذي على صحة هذه المعلومات بالصور، ومضت السنون وأنا أراها في الصور فقط، حتى رأيتها الآن حقيقة).
هذا، وقد صيغت الرواية بقلم أدبي على اعتبار أنها الأولى للراوي الأستاذ محمد بن عبد العزيز الداود حينما خاض بحر الرواية العربية الشائقة وهي رواية تلازم عصرنا هذا.. عصر السرعة وعد الدقيقة ومتابعة الساعة، وشيء جميل سياق عدد من المقولات النيوزيلندية المعبرة قبل الخوض في سرد أجزاء الرواية وهي مختلفة ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر: (الأرض أطول عمراً من الإنسان)، (عندما تسألني ما أعظم شيء في هذا العالم؟.. سأجيبك الإنسان الإنسان الإنسان) (اهتمامك بالأرض واهتمامك بالإنسان دليل تقدمك)، (النجوم الكثيرة لا تحجبها سحابة صغيرة)، (لنبقَ متفقين لا مختلفين)، (هناك أكثر من طريق لتحقيق الهدف) ساقها مساق المثل العربي الشارد، وقد أحسن إذ قيّد هذه المقولات بلغتين الإنجليزية أولاً والعربية ثانياً)، وهذا تنبُّه إلى اختلاف معنى المقولة، ومفهوم المثل حين يُعرَّب وينقل من لغة إلى أخرى، أي من لغته الأم، إلى اللغة الرديفة، ولو سألتني أيها القارئ الملهم عن الأسلوب الذي صيغت به الرواية لقلت لك: أسلوبها سهل مرسل، لا تعقيد ولا غموض فيه، فأنت أيها القارئ تتشرَّب فصول الرواية بكل يسر وبساطة، يقول في استهلالته للرواية تحت العنوان التالي: (مطار أوكلاند) ما ماهيته الحديث القادم التالي: (نزلت من الطائرة وفي يدي حقيبتي اليدوية وورقة لا بد من تعبئتها في الطائرة قبل الوصول لكي تفتح لك هذه الدولة أبوابها، سرت في المطار أتبع الركاب القادمين لأضمن سرعة الوصول، بدأت ألحظ النظرات المتشككة الموجهة إليّ من الركاب وموظفي المطار، لم أكن متعجباً، فعندما تكون ملامحك عربية وملتحياً ومرتدياً معطفاً أسود فالتهمة ثابتة عليك لا محالة، الكل يبتسم وإن كنت أقرأ في العيون غير ذلك، ففيها إحساس بأني مشتبه به وهذا كافٍ)، وهذه العبارة التي سقتها لك عزيزي القارئ كافية ودالة على أفق الرواية وهو الواقعية ووصف الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يسير في المطارات الدولية الأجنبية، فهو يتحدث بلغة عصره، ولسان حاله كما أن أحاديثه تتسم بالصراحة والصدق، يقول تحت عنوان الفصل التالي: (عَبَدة الشيطان): (كانت أيامي تتكرر بشكل ممل، فأخرج من المعهد في تمام الثانية، وأتناول طعام الغداء مع مجموعة من الشباب العرب الذين بدؤوا يتكاثرون في المعهد، وفي أحيان كثيرة أفضّل أن أكون وحيداً، أليست الوحدة خيراً من جليس السوء؟ وتعلمت الكثير من العادات السيئة:
فمن التسكع في الشوارع.
والتأمل في موروثات الشعب الثقافية.
إلى إهدار المال على الطاولات الخضراء.
طاولة البلياردو بالطبع).
وتُعد رواية: (أوراق طالب سعودي في الخارج) وهي التي قرأتها بين يديك أيها القارئ الحصيف من فُضليات الروايات في وصف ورسم سيرة بعض لا كل المبتعثين إلى دول غير عربية مهما كان الهدف من وراء الابتعاث.. أهو لغة؟ أم ماجستير؟ أم دكتوراه، وكل منا يسهر على ليلاه، وهذه الرواية بعيدة كل البعد عن الحشو الزائد والغرابة في سياق الأحداث، ووصفها راقٍ لشخصياتها، وتتابع أحداثها وأحاديثها.
وأخيراً وليس آخِراً:
فحديث الرواية جاء واصفاً رحلة المبتعث من كون هذه الرحلة طرأت على خاطر المبتعث فكرة، ثم تحولت بإلحاح طموحه إلى واقع يُقرأ، ورواية تُكتب وكتاب يقع مثل غيره من كتب الروايات ويُطرح على طاولة النقد البنّاء الهادف، لا سيما أنها مسرودة منذ لحظة بدء الرحيل ثم العودة إلى البلد الأم بسلام ونجاح وابتهال.
عنوان التواصل:
ص. ب 54753 الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com