عبدالعزيز محمد الروضان ">
إذا كان الشباب هم عماد الأمة ونصف حاضرها وكل مستقبلها فلماذا نراهم اليوم يتيهون في أودية الضلال وزواريب الضياع، ومن ثم أصبحوا خناجر مسمومة تطعن في خواصرنا.. لا أشك لحظة واحدة أن وراء هذا الانحراف أسباباً أدت بهؤلاء الشباب إلى سلوك هذا المسلك الخطير.. ولعلي في هذا المقال القصير لا يمكنني أن أميط اللثام عن تلك الأسباب مجتمعة فأتتبعها واحداً واحداً، ولكن إن أغفلت شيئاً من هذه الأسباب فلا يمكن أن أغفل سببين رئيسيين ألا وهما:
السبب الأول: التربية والتنشئة الأولية التي عادة تكون في المحضن الأول وهو البيت ويمثله الوالدان.. إن التربية الأولية التي يتلقاها الشاب في أول سني حياته هي المسؤولة عن صلاحه وكذلك هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن انحرافه!! ولكن يا ترى هل الشباب يتلقون شيئاً من هذه التربية في المحضن الأول؟ الجواب ببساطة -كلا. إن جُل هم الوالدين في الحياة بالنسبة للأبناء هو توفير المطعم والملبس والمسكن ولا غير ذلك شيء. إن الناشئة والحالة هذه خالية الوفاض في الجانب التربوي وخالية من التزكية والتهذيب، بل إن الأمر أنكى من ذلك، فالناشئة قد تتلقى تربية سلبية من جانب الوالدين وهذه التربية السلبية هي المسؤولة عن انحرافها، ولكي أبرهن لك أيها القارئ الكريم أنظر إلى الناشئة وممارساتها خارج البيت، فإنها تُسقط على المجتمع ما تحمله من سوء تربية في المحضن الأول (البيت) فنرى الشاب يمارس سلوكيات شائنة في الشارع والمدرسة وأمام أفراد مجتمعه!! فإن الشاب الذي لم يتلق تربية زاكية في البيت فما هو إلا طاقة من الانحرافات والسلوكيات الهابطة.. فنرى الشاب يقف على الأطراف فإما أن يتطرف في الدين أو يتطرف في نقيضه. فبعض الشباب يعيشون مجدفين على الأطراف،وهذه الممارسات منبثقة من ردود الأفعال التي يجدونها في المحضن الأول وهو البيت.. إذا كان شبابنا يواجه مثل هذا النوع من التربية المتطرفة فإن الشاب حينها سيكون مشروعاً سهلاً لمن أراد أن يستغله، ولقمة سائغة لمن أراد أن يجعل هذا الشاب معول هدم في مجتمعه. إذا كانت هذه مخرجات شبابنا وهي الانحراف فهي ولا شك مدخلات التربية السلبية من قبل الوالدين وبالأخص الوالد. ولكن لو أن الشاب خرج من محضن والديه سليماً فإنه لن يعاقر تلك الممارسات السلبية بإذن الله.
السبب الثاني: إذا اعتبرنا أن البيت هو المحضن الأول فإن التعاليم التي يجدها خارجه هي بمثابة المحضن الثاني. إن الشباب أحياناً يتلقون تعليماً يبعد عن هدي الدين ومضامينه المتينة وقصارى ما يلقونه في هذا المحضن من التربية هي تعاليم أحياناً ليست من الدين في شيء وإنما هي جزئيات دينية محلاً لاختلاف العلماء وأهل الفقه، والشباب في غنى عن مثل هذه التعاليم التي تجعلهم في صراع مع أنفسهم ومماحكة مع غيرهم. إن سبب تشنج شبابنا هو الصراع النفسي لمثل هذه التعاليم التي لا يعول عليها الدين ولا يرتب عليها عقاباً ولا ثواباً. إن على من يتصدى لتعليم الشباب في هذا المحضن عليه أن يكرس جهوده في مجاذير الدين وصميمه لا على تفاصيل غيابها أولى من حضورها. لا أريد أن أحمل الدعاة والوعاظ هذه المسؤولية على وجه الإجمال والتفصيل وإنما أقول بملء فَي أن من أسباب تحلق الشباب هو حقنها بمثل هذه التعاليم، وإن اشتغال الدعاة والوعاظ ومنابر الجمعة وقاعات الدرس بجزئيات الشريعة على حساب مبادئ ومقاصد الدين الإسلامي هو من أسباب جنوح الشباب إلى ارتكاب الأخطاء وجعلهم أدوات ومطايا لمن أراد أن يركب صهوة جهلهم. إن غض الطرف عن مقاصد الشريعة المتينة والانكفاء على تفاصيلها هو قاصمة ظهر الأمة لا سيما على شبابها الذين لا يميزون المهم من الأهم في الدين الإسلامي. إن الدعاة والوعاظ عليهم أن يعلموا الشباب صفة الفضيلة، والفضيلة ماهي إلا توسط بين طرفين، وسط بين الإفراط والتفريط في كل شيء. إن الفضيلة في هذا المفهوم هي حصن واق من التطرف. إن التربية التي يقودها الدين هي في الواقع تربية تهذيبية ينظر إليها الدين على أنها وسيلة من تخليص الفرد من أدران الشر المتأصل.
إن الشباب حينما يُعزلون عن متع الحياة الدنيا المباحة عبر رهبنة غير مشروعة لا يقرها عقل ولا نقل فإن الشاب يتطلع إلى متع أخرى لم يحن وقتها بعد عبر ممارسات لا يقرها الدين بل يمقتها، ولا خلاص من ذلك إلا عبر الفضيلة والاستقامة، فتمجيد الفضيلة وغرسها في قلوب الشباب هي من أولويات التربية الحكيمة. إن الشاب بحاجة إلى السرور والبهجة كحاجته إلى الطعام والشراب،ولكن منع الشاب من هذه المتع يطوح به بعيداً عن هذا الصراط السوي. إن أي تربية في هذه المحاضن لم تترك أثراً إيجابياً فهي ولا شك سوف تترك أثراً سلبياً.. وثمة شيء لا بد أن يُذكر وهو أن التربية عملية طبيعية لا عملية صناعية - دعوني أوضح ذلك - وهو أن الفرد يولد سوياً لا يحتاج إلى إضافة من الخارج، ولكن هناك أمور تحدث في الطبيعة فتصرف الفرد عن العيش في غرائزه المعتدلة التي وُلد عليها، ومهمة التربية حينئذ عطف هذا الفرد أو ذاك إلى طبيعته الأصلية وهي الفضيلة، ولكن حوادث الحياة تغيره وتجنح به إلى الضياع، قال الله تعالى عن هذه الفطرة والفضيلة التي يتحلى بها الفرد حينما يولد (فطرة الله التي فطر الناس عليها) إن كلامي هذا ليس مجرد كلام أطلقه على عواهنه أو نظرية مختلقة بل حقيقة تقرا الأديان وأصدق أساليب التفكير العلمي.
اللهم احفظ شبابنا وبلادنا من كل مكروه.