د.أسامة شبكشي
ولد الأمير سعود الفيصل بالطائف في العام 1940م وتحصل على بكالوريوس اقتصاد من إحدى أشهر الجامعات الأمريكية «جامعة برنستون» عام 1964م.
تولى رحمه الله مناصب عدة من بينها:
- وكيل وزارة البترول والثروة المعدنية.
- رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى وعضو المجلس الاقتصادي الأعلى.
- عضو مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية.
- عضو المجلس الأعلى للنفط وإنمائها.
- عضو اللحنة العربية الخاصة بلبنان، ولجنة التضامن العربي، واللجنة السباعية العربية، ولجنة القدس، واللجنة الثلاثية العربية حول لبنان ضمن وزراء خارجية الدول الثلاث.
85 عاماً مضت على تأسيس وزارة الخارجية السعودية التي تولى قيادها للمرة الأولى الملك فيصل بن عبدالعزيز لثلاثة عقود متتالية بدأت في عام 1930م وحتى عام 1960 قبل أن يتركها مدة عامين لإبراهيم السويل ليعود إليها الفيصل الأب مجدداً ويرافقها مدة 13 عاماً حتى وافته المنية.
بدأ الأمير سعود الفيصل رحلته مع وزارة الخارجية بصدمة نفسية نتيجة مقتل والده حيث عينه الملك خالد بن عبدالعزيز عام 1975م في منصب وزير الخارجية وخلال أربعة عقود في هذا المنصب تغير العالم كثيراً، حيث اندلعت حروب عدة وهبت رياح التغيير على المنطقة، حيث تساقطت بعض الأنظمة وكان -رحمه الله- لا ينتظر في العاصمة الرياض بل يُبادر بالذهاب إلى موقع الحدث مسلحاً بالسياسة السعودية الحكيمة والتي تنادي بالتقارب بدلاً من القطيعة والحوار بدلاً من الحرب وخلال الأربعين سنة الماضية مر على الولايات المتحدة 12 رئيساً كما تغير حاكم الكرملين وانتهاء خلال هذه الفترة الإمبراطورية السوفيتية وتغير كذلك ساكناً لأليزيه عدة مرات وخلال الفترة ذاتها اندلعت الحرب الأهلية في لبنان مما أدى إلى أن كلفت سوريا بأن تبعث بجيشها للحفاظ على الأمن، إلا أنها أصبحت جيشاً محتلاً وليس محرراً للبنان، ونتيجة لتلك الحرب الأهلية تحارب اللبنانيون والفلسطنيون مما أدى إلى نزوح ياسر عرفات إلى الرحيل إلى المغرب العربي، حيث وقع اتفاقية في تونس الخضراء، وانتهزت إسرائيل تلك الحرب وغزت لبنان، وغزت العراق الدول المساعدة لها بعد أن مدت يد العون والمساعدة لها.
تفكك الاتحاد السوفييتي على نظرية البروستركا انهارت يوغوسلافيا وكشفت القناع عن كراهيتها للمسلمين في تلك الدولة حيث قتل 8000 شاب مسلم بدم بارد في وضح النهار دون رحمة، وكان جنود الفرقة الهولندية التابعين للأمم المتحدة تشرف على مدينة اسبيترا ولا حركة ساكناً لمقتل هؤلاء المسلمين! ثم اجتثاث نظام صدام حسين ثم اغتيال رفيق الحريري في وسط العاصمة بيروت وأجبرت سوريا على الانسحاب من لبنان، في زخم تلك الأحداث كان الأمير سعود الفيصل يبذل قصارى جهده لتفادي إهدار الدماء العربية وتقريب وجهات النظر بدلاً من التقاتل بالبندقية، ولازلت أذكر أثناء تواجدي في مجلس الوزراء كان -رحمه الله- يعاني من آلام في السلسلة الفقرية وذهابه إلى الولايات المتحد للعلاج، إلا أنه كمريض يعتبر غير منتظم، حيث إنه وفي حالات مرضه الشديد يهب لخدمة وطنه ومليكه، كما أذكر ذات مرة وكان ظاهراً عليه أثر التعب والآلام فطلبت منه -رحمه الله- أن يرتاح إلا أنه أجابني (أنت أولاً).
وللرقم 3 مصادفات غريبة في حياة الأمير سعود فهو الابن الثالث للملك فيصل حيث سبقه كل من الأمير عبدالله الفيصل والأمير محمد الفيصل، ويأتي ترتيبه كوزير للخارجية السعودية الثالث بعد الملك فيصل وإبراهيم السويل كما أن منصب وزير الخارجية جاء ثالثاً حيث عمل أولاً في بترومين ثم وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية لينتقل إلى وظيفته الثالثة كوزير للخارجية.. وعلى المستوى الأسري له من الذكور (محمد وخالد وفهد) وثلاث من الإناث (هيفاء ولمى وريم).. تحفظ ذاكرة الدبلوماسية أسماء ثلاثة وزراء أقاموا طويلاً في الوزارة الأول اندريه جروميكو (1957 إلى 1985)، ولقد خدم وظيفته بإصرار وثبات، أما الثاني فهو الشيخ/ صباح الأحمد (1963 إلى 1991) وهو بارع وساهم في أخراج بلاده من العاصفة، أما الثالث فهو الأمير سعود الفيصل (1975 إلى 2015) وظف ثقل بلاده ومواهبه الشخصية لتحويلها رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية.. أدخل إلى الدبلوماسية مسحة من النبل، بارع في الحديث وبارع في الإصغاء واسع الإلمام ولا ينسى التفاصيل، مرن في الحلول، متشدد في الثوابت تستطيع أن تختلف معه لكن لا تستطيع إلا أن تحترمه.
أثناء تواجدي في مجلس الوزراء كنت من ضمن المعجبين بصراحته ودقة تحليله لمجريات الأمور السياسية على مستوى العالم، ولقد أكد -رحمه الله- بأنه ينتمي إلى المدرسة الفيصلية المتمثلة بالأدب والإنصات أكثر من التحدث تتمنى أن يستمر في تحليل الموضوع المطروح للنقاش لما تحلى به -رحمه الله- من ذاكره قوية وأسلوب في ربط الأحداث بعضها ببعض، ثم حظيت بالعمل تحت إشرافه المباشر وعلى مدى عقد من الزمن حرصت خلالها حضور اجتماعات سموه بالمسؤولين الألمان، حيث كنت أشاهد الأنبهار على محياهم بعد تلك الاجتماعات بدءاً من المستشار السابق، جيرهارد شرودر إلى المستشارة الحالية « أنجيلا ميركل ومن وزير الخارجية الأسبق» جيدو فيستر فيلله إلى وزير الخارجية الألمانية الحالي فرانك فالتر شتاين ماير، كنت أُلاحظ أن كل منهم كان يجلس كطالب علم أمام أستاذ ضليع في بحور السياسة ودهاليز الدبلوماسية.
يتحاور سموه -رحمه الله- بالعقلانية والطرح المنظم، حيث إنه كان يعتمد على التحليل العلمي والمنطقي إضافة إلى مخزونه الهائل من الوقائع والأدلة والبراهين مما يبهر من أمامه، ولنقرأ سوياً آراء بعض الساسة:
1) ميخائيل غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي: بعد تفكك الاتحاد السوفيتي زار الأمير سعود الفيصل روسيا وكان غورباتشوف يراه وسموه مغادراً حيث قال: (لو كان لدي سياسي محنك مثل سعود الفيصل لما تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهى).
2) أوضح وزير خارجية أمريكا جون كيري بعد سماعه لنبأ انتقال الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- في بيان له بأن (الأمير سعود لم يكن وزيراً للخارجية فحسب، بل كان من بين الأكثر الناس حكمة في عالم اليوم).
3) ديفيد ميليبند وزير الخارجية البريطاني الأسبق قال: (سعود الفيصل يستطيع أن يحصل على ما يريده بخطاب واحد، ومنح السعودية قوة خارجية لا يستهان بها).
4) يوري أوشاكوف أحد مستشاري الرئيس بوتين قال: (سعود الفيصل يتحدث بوضوح تام مما يجعل محاوريه في حيرة من أمرهم وكيف يكون وزير خارجية بهذا الصدق والشفافية والعقلانية في عالم الدبلوماسية).
5) كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق قال: (إن سعود الفيصل يعادل اللوبي الصهيوني بل ويتفوق على اللوبي الصهيوني في الإقناع).
6) سمو الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني أشار إلى الدور الفعّال الذي لعبه سعود الفيصل -رحمه الله- أثناء الأزمة التي مرت بها البحرين.
7) صدام حسين: حينما سئل ممن تخشى؟.. فأجاب وقال: لا أخشى إلا الله ثم ابتسم وقال: سعود الفيصل أدهى من قابلت في حياتي، فحين كنت في حرب مع إيران جعل العالم معي، وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدي.
8) أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أن الأمير سعود الفيصل قاد الدبلوماسية السعودية والعربية على مدى 40 عاماً شهد له الجميع خلالها حرصه الشديد على المصالح السعودية والعربية فضلاً عن دوره المهم في دعم وتوثيق العلاقات المصرية - السعودية طيله تلك العقود.
9) كما شدد الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية وزير الخارجية المصري السابق عمرو موسى على أن الدبلوماسية العربية خسرت كثيراً بوفاة سمو الأمير سعود الفيصل، ووصف الفيصل في بيان لمكتبه الإعلامي بأنه «صاحب مدرسة الدبلوماسية العاقلة الرصينة القوية» كان قوياً حين يحتاج الموقف إلى قوة، وإنساناً حين يحتاج الموقف إلى إنسانية، وخبيراً إذا احتاج الأمر إلى رأي خبير.
10) أجمع وزراء الخارجية العرب إلى أنه حينما تواجههم صعوبات في رسم سياسة معينة كان الأمير سعود يخط خط واضح لتلك الصعاب سواء إن كانت على الصعيد العالمي أو العربي أو الإسلامي، ولقد أجمع السياسيين على أن تاريخ سموه سيكتب بماء الذهب.
إن سعود الفيصل يعتبر علامة فارقة في تاريخ الدبلوماسية العربية، فارس نبيل لم يغادر يوماً قاموسه الراقي إلى قاموس الغضب، إن تلبيته لنداء ربه في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أسأل الله أن يكون من بين أولئك الذين كتب الله لهم العتق من النار، وللعظماء أسلوبهم في مغادرة مسرح الحياة دون ضجيج، حيث لبى نداء ربه وهو بين أهله مرتاح ومسرور، متذكراً النصيحة التي درسناها بأنه هنيئاً لمن يولد وهو يبكي والحفل هو من يضحكون وعند وفاته يكون مبتسماً بينما الحضور يبكون.
وحيث إن سموه يعتبر علامة فارقة في الدبلوماسية العربية فإنني آمل في أن تتولى أقسام العلوم السياسية في الجامعات السعودية جميع كل ما كتب عنه أو حاور به سموه أو ألقاه في خطبه على مدى أربعة عقود وذلك يعتبر كنزاً سياسياً - علمياً، وعلى أن يتم تشكيل لجنة لتنقيح ذلك الكنز وتحويله إلى مادة علمية مبنية على الواقع السياسي الفعلي في منطقتنا العربية وليس على نظريات مستوردة من وراء البحار قد لا تتطابق بواقعنا الفعلي ومن ثم تدرس هذه المادة على أربعة مستويات في تلك الأقسام بجامعاتنا وبالمعهد الدبلوماسي. كما أنني أتطلع إلى تسمية قاعة من قاعات المحاضرات للعلوم السياسية بقاعة «سعود الفيصل» تقديراً ووفاءً لهذا الأمير النبيل الذي لم يغادر يوماً من قاموسه الراقي إلى قاموس الغضب.