أمين سعود الشريف ">
العدل هي الصفة الحميدة والكلمة الجميلة التي لها ثقلها وميزانها ولا يتصف بها غير الذين كانت هممهم ذات قمم عالية، فالعدل أساس المُلك، والعدل تستمر على ضوئه الحياة، والعدل يجعل الأمور على نصابها والحقوق لأفرادها، ولقد حرص رسول الله على تعليم أصحابه قيمة العدل مبيِّنًا لهم عظيم أجره يوم القيامة، فقال رسول الله: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ بِمَا أَقْسَطُوا فِي الدُّنْيَا».
ولعلَّ من أشهر مواقف النبي التي ظهر فيها عدله وقوَّته في الحقِّ، ما روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- بقولها: إن قريشًا أهمَّهم شأن المرأة المخزوميَّة التي سرقت، فقالوا: ومن يكلِّم فيها رسول الله؟ فقالوا: ومَنْ يجترئ عليه إلاَّ أسامة بن زيد حِبّ رسول الله. فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!». ثم قام فاختطب، ثم قال: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
ونجد رسول الله دائم الخوف من وقوع أي ظلم أو إجحاف بالناس، فعن سويد بن قيس قال: جلبتُ أنا ومخرفة العبدي بزًّا من هجر، فجاءنا رسول الله، فساومنا سراويل، وعندنا وزانٌ يزن بالأجر، فقال له النبي: «يَا وَزَّانُ، زِنْ وَأَرْجِحْ».
كما التزم النبي - أيضًا - بالعدل مع زوجاته حتى في أبسط الأمور؛ فعن أنسٍ قال: كان النبي عند بعض نسائه، فأرسلتْ إحدى أُمَّهات المؤمنين بصحفةٍ فيها طعامٌ، فضربت التي النبي في بيتها يد الخادم فسقطت الصَّحفة فانفلقت، فجمع النبي فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطَّعام الذي كان في الصَّحفة ويقول: «غَارَتْ أُمُّكُمْ». ثمَّ حبس الخادم حتى أُتِيَ بصحفةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَتْ صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَتْ.
وعلى ما ذُكر فإن المنصفين لا يرضون إلا بالعدل لأنه الفطرة السليمة عندهم والصفة الجميلة لديهم، فتجدهم في كُل المواطن عادلين لا يؤثر في عدلهم أحدٌ وليس عليهم سُلطانٌ غير مظلة الشريعة الإسلامية، فهكذا يجب أن يكون من أراد النجاح في أسرته فعليه بالعدل، وهكذا من أراد النجاح في قيادته فعليه بالعدل، لأن الأصل في التماس العدل استمرار المطلوب.
وكما أن العدل مطلوب في الحقوق جميعها فالأصل أن يكون مطلوبا في التنظيم فالأنظمة لابد أن تُلامس مبدأ العدل، مثلا بمثل سواء بسواء.