الشيخ صالح الفوزان: كتاب «التنبيهات السنية» مجموعة مفيدة تحوي أقوال العلماء حول مسألة مهمة ">
أصدر معالي الاستاذ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل أربعة كتب تكشف عن أثر التلاحم بين الراعي والرعية، لتبيّن منهج السلف في الفتن وسبل النجاة منها، وتنبذ الإرهاب وتصف الداء والدواء، وتعرض لسيرة علماء أجلاء وتسترشد بآرائهم، وسنعرض لهذه الإصدارات الأربعة وهي: (أثر التلاحم بين الراعي والرعية في تحصين الوطن ودرء الفتن)، و(وقفات مع حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - في الفتن وسبل النجاة منها)، و(التنبيهات السنية في حقيقة ما يسمى الأعمال والعمليات الجهادية)، وهو من تقديم فضيلة الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، بالإضافة إلى كتاب آخر يخص به (فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - نشأة وعلماً ومنهجاً ووقفات ومواقف).
يؤكد فضيلة الشيخ سليمان أبا الخيل في كتابه: (أثر التلاحم بين الراعي والرعية في تحصين الوطن ودرء الفتن) أن آثار التلاحم بين الراعي والرعية ظاهرة للعيان من خلال ما رآه الجميع، وما تفاعل بشأنه الصَّغير والكبير، الذكر والأنثى في وطن العقيدة والنماء والعطاء والوفاء من خلال تفعيل مبدأ الجماعة، والالتزام بما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلَّم - ، والبعد عن الخلاف والفرقة والشقاق.
ليبين عبر هذا الكتاب أن مؤسس المملكة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - جاهد في سبيل الله من أجل جمع الكلمة، في هذه البلاد المباركة على التوحيد وإقامة شريعة الله عز وجل، فارتبطت الفروع بالأصول وقامت شريعة الله في هذه الجزيرة غضة طرية كما أنزلت في كتاب الله عز وجل، وكما جاء بها رسوله - صلى الله عليه وسلَّم -، مشيراً إلى الإنجاز والتطور الذي تعيشه المملكة في ظل القيادة الرشيدة، ومتناولاً ما تميز به المغفور له إن شاء الله الملك عبد العزيز - رحمه الله - من حرص على تطبيق كل مبادئ الشريعة وأصولها، ليكشف أن من يحرص على تحقيق التوحيد في نفسه وأسرته ومجتمعه ويدعو إليه فإنَّ الله سيمكنه في الأرض ويمنحه العزة والنصرة، ويحقق له الأمن التام في الحياة الدنيا والآخرة، ليضمّن هذا الكتاب حديثاً لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - يقول فيه: (إن هذه الدولة السعودية بأدوارها التي مرت عليها خصوصاً في هذا العهد، هي أقرب ما تكون إلى الخلافة الراشدة)، وقولاً آخر لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - يقول فيه: (لو ما يأتي من هذه البلاد إلا تحقيق التوحيد لكفى).
كما ألقى المؤلف الضوء على جهود المملكة في تأسيس الجهات العلمية والإنمائية التي تحفظ المواطن وتزيد معرفته، ليؤكد: (قوة المؤسسات العلمية ونماؤها وتطورها، وقيامها على الأسس التي قامت عليها الدولة، ذلك أن الدولة أولت المؤسسات التعليمية اهتماماً بالغاً، لما لها من دور رئيس ليس في تنشئة وتربية الأجيال فحسب، بل في توظيف عناصر العملية التعليمية لغرس مقومات الانتماء الوطني الذي يعد حصانة من الانحرافات، ومانعاً من الانجراف في دعوات الفتن، وتظهر خطورة الأمر حينما نعلم أن الشباب في أي أمة هم عنصر قوتها، ومصدر عزتها ومستقبلها الواعد، وأملها المشرق، وغدها المغدق، وهم في مراحل تعليمهم بيئة خصبة، وأرض صالحة إذا تحمل المجتمع بعامة، والمسؤولون عنهم بخاصة أمانة تعليمهم وتنشئتهم وحمايتهم من مزالق الانحراف فإنهم يمثلون قوة لا يستهان بها، ويكونون معاول بناء لا معاول هدم، وتثق الأمة بهم وبقدراتهم وطاقاتهم، وبعكس ذلك إن تركوا دون توعية وتبصير).
يقف د. أبا الخيل في كتابه: (وقفات مع حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - في الفتن وسبل النجاة منها) تسع وقفات مع الحديث الذي يرشد الناس إلى الطريق الصحيح في التعامل مع الفتن، وأيَّام المحن التي تضيق فيها النفوس، وتضطرب فيها المناهج، ويختلف الناس في مواقفهم منها، والفتن والابتلاءات سنة إلهية، قدرها الله لحكم قد تدرك وقد لا تدرك، والمسلم في سيره إلى الله، وفي تعامله مع هذه الفتن بحاجة إلى أن يتعرف على السنن ويعلم المنهج الشرعي للنجاة منها، لئلا يسقط فيها، ورأس الفتن والبلايا والشرور، وأساسها فتنتان عظيمتان: فتن الشبهات وفتن الشهوات، والأولى أعظم وأمكن أثراً، وأشد خطراً وضرراً، وقد حذرنا الرسول - صلى الله عليه وسلَّم - من توارد الفتن، فقال - صلى الله عليه وسلَّم - : (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضها، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى له).
الوقفة الأولى مع الحديث هي: جواز سؤال الإِنسان عما يخاف الوقوع فيه من الشر والفتنة، دليل ذلك قوله - رضي الله عنه - : (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلَّم - عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي).
أما الوقفة الثانية فهي: مشروعية الخوف والحذر والبعد عن أسباب الخطر والشر والفتنة، لأن هذه صورة الوقاية التي هي أهم وآكد من العلاج، لأن التوقي وعدم مواقعة الخطر والفتنة أسلم لدين المرء وعقله وقلبه.
وفي الوقفة الثالثة: جواز اعتراف الإِنسان على نفسه بما وقع فيه من الخلل والنقص والجهل، دليل ذلك قوله - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - : « إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ»، ولا شك أن قوله - رضي الله عنه - هذا دليل على أنه معترف بما كان هو عليه وغيره من الصحابة.
وفي الوقفة الرابعة: يقف مع الآية الكريمة (الَّذِينَ آمنوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) المقصود بالظلم هنا هو: الشرك، لأنّها لما نزلت هذه الآية شق الأمر على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - ، وكبر وعظم في أنفسهم، وقالوا: (أينا لم يظلم نفسه!) فهوّن عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - ، وقال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
أما الوقفة الخامسة: فإن أول هذه الأمة خير من آخرها، دليل ذلك في هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلَّم - : «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي وَيَسْتَنونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ». قُلْتُ: «هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟»، فهذا دليل على أن أول هذه الأمة خير من آخرها.
وفي الوقفة السادسة: يبين د. أبا الخيل أن الخير والشر يتصارعان ويتجادلان ويتجاذبان ويتداولان على مر العصور وكر الدهور، ولن يقف ذلك إلى قيام الساعة.
أما الوقفة السابعة: في قوله - صلى الله عليه وسلَّم - عندما قال له حذيفة - رضي الله عنه - : هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَال: (نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إليها قَذَفُوهُ فِيهَا)، وهذا هو الذي عليه المدار والمقصود بالوقفات والآثار، وإن المتأمل في حال الأمة الإسلامية وما تعيشه من خلاف واختلاف وتناحر وفرقة.
وفي الوقفة الثامنة: يبين صفة الدعاة الذين على أبواب جهنم.
وفي الوقفة التاسعة: يلقي الضوء على المخرج من الفتن ولزوم جماعة المسلمين.
يكشف د. أبا الخيل في إصداره: (التنبيهات السنية في حقيقة ما يسمى الأعمال والعمليات الجهادية) الذي قدم له فضيلة الشيخ العلامة الاستاذ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عن المهمة المنوطة بالعلماء والمفكرين في تعزيز الانتماء الوطني، ومحاربة التطرف والغلو والإرهاب، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي سببت انحرافات فكرية وجرفت الشباب وجرتهم لمشاركات وتصرفات ظنوها من دين الله عز وجل، وشاركوا فيها باسم الجهاد، وتجاسروا على تجاوز أصول شرعية ظاهرة، ومعالم واضحة من السمع والطاعة، وتقتضي البيعة، والنصيحة له ولرسوله ولائمة المسلمين، إلى غير ذلك من المفاسد المترتبة على هذه المشاركات.
ويعالج الكتاب هذه الجزئية، بأسلوب هادئ، وتأصيل واضح، ونبرة حانية، ومناقشة متوازنة تعتمد مخاطبة العقل والعاطفة بتلك الأصول الواضحة، تبحث هذه النازلة التي تعد فتنة سقط فيها من سقط، واختلطت فيها الآراء، وتحيرت فيها الأفهام وعصفت بالشباب.
وقد ضمّ الكتاب بعد المقدمة مبحثين وخاتمة: ففي المبحث الأول بعنوان (المعالجات) اشتمل على أربعة مطالب هي: الاستقامة على دين الله واستدامتها على أساس متين، واتباع المنهج الصحيح في النظر والاستدلال، والعلم بفقه الواقعة وتنزيل كلام العلماء عليها، وأمر الجهاد موكولٌ لوليّ الأمر.
أما المبحث الثاني بعنوان (مفاسد الخروج) فقد اشتمل على عشرة مطالب وهي: الخروج عن الطاعة، ونقض البيعة الصحيحة، وعدم وضوح الراية التي يُقابل تحتها، واستغلال شباب الأمة فكرياً، وشعور الشباب بانقطاع انتمائهم وولائهم لبلادهم ومجتمعهم، وإحراج وطنهم (المملكة العربية السعودية) وعدم الأخذ بإذن ولي الأمر والوالدين في الجهاد، وارتكاب منكرات وكبائر، والغرور والعجب لمن يقوم بالخروج، وتشويه صورة الجهاد، ثم جاءت بعد ذلك الخاتمة، كما حوى الكتاب ملحقاً يشتمل على: توجيهات حول الخروج للجهاد لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - ، وتوجيهات لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - حول مسائل عن الجهاد والتفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض، وبيان سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية حول خروج بعض الشباب إلى الخارج لأجل ما يظنونه جهاداً، وإجابات عن أسئلة حول الخروج للعراق وغيره لفضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، وكذلك أسئلة وأجوبة مهمة في الجهاد لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.
أما كتاب : (سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - نشأةً وعلماً ومنهجاً ووقفات مواقف) فقد استعرض فيه معالي الشيخ سليمان أبا الخيل سيرة سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - متناولاً فضل العلم وطلبه، ومنزلة العلماء ومكانتهم، ونشأة الشيخ ابن عثيمين، وجهوده العلمية، ومنهجيته في التلقي وطلب العلم عموماً والفقه خصوصاً، مشيراً إلى الأسباب التي جعلت الشيخ ابن عثيمين يفوق أقرانه وينبغ في جميع فنون العلم، كما تناول المؤلف منهج الشيخ في مسائل العقيدة والتعامل، ليختم الكتاب بمواقف ووقفات مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وبعد الحديث عن سيرة الشيخ وإسهاماته يذكر د. أبا الخيل عدة مواقف للشيخ ابن عثيمين ويقول في أحدها وهو موقف خاص مع الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - : (وهذا الموقف ذكره لي الشيخ: فعندما مرض الملك فهد، وكان يذهب ويجيء على كرسي متحرك، وكان الملك فهد يحب الشيخ حباً كثيراً، وزاره في بيته كما هو معلوم، وكان الشيخ أيضاً إذا زاره ولاة الأمر يعزهم ويجلهم ويعتني بهم، يقول الشيخ: ونحن خارجون مع الملك فهد للغداء، خرج الملك على كرسي متحرك، والشيخ يمشي على قدميه، فاستحى الملك فهد منه إجلالاً وإكراماً للشيخ، فقال الملك: لعلك تركب معي بالكرسي، ما أريدك أن تمشي وأنا راكب، فتبسم الشيخ وقال: جزاك الله خيراً، هذا من تقديرك ومحبتك، أنت تسير ونحن معك نسير، وأنت على هذا الكرسي أمد الله بعمرك).