د. هلال محمد العسكر ">
إن الصدق في القول والعمل أهم سر من أسرار النجاح، وعنصر مهم حتى لا تبنى الخطط والقرارات على أكاذيب وأوهام وتأويلات وظنون. ومن هنا، تظهر ضرورة التمسك بصدق كل معلومة، وكل قضية، ولا يكون ذلك إلا بالتحري والتمحيص، والمقارنة لإبعاد الأكاذيب والأوهام والتأويلات والظنون، ونبذ الشائعات والإشاعات، وتثبيت الحقائق؛ فهذه أمور ينتج عنها القرار السليم البعيد عن الظن، حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الظن فقال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث». وفي الحديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة». ونظرا لأن بعض الأعمال في العمل تقوم على الروايات والأخبار، فهي تتطلب الصدق في الناقل والراوي، لذلك يجب على العاملين بالجهاز أن يصدقوا، ويتحروا الصدق حتى يوثق بأخبارهم، وتقبل روايتهم وتكون القرارات صائبة والأحكام عادلة والأحوال صالحة، وصدق الحق عز وجل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}الأحزاب 70 -71 الأحزاب.
يجب على الإنسان في أي زمان ومكان أن يصدق، ويتحرى الصدق دائماً، لأنه تبنى على أقواله وتقاريره أحكام، وتتخذ على ضوئها قرارات، وأي خطأ يكون عليه وزره ووزر من عمل به، حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكذب: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»، وأي كلمة يكتبها، أو يقولها سرًا أو علنًا سيسأل عنها بين يدي ربه يوم القيامة، وأنها مسجلة «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» لذا يلزمه الصدق كل الصدق ولا شيء غير الصدق في القول والعمل.
ولقد رسم لنا الرسول صلى الله عليه وسلم منهجاً سليماً للتأكد من صحة المعلومة وسداد القول، والتثبت قبل البت في الأمر، واتخاذ القرار، وذلك في حادثة زيد بن أرقم الذي نقل للرسول صلى الله عليه وسلم مقالة رأس المنافقين»... لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل...» يقصد بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. وعندما جاء سيدنا زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو غلام لم يبلغ - فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، أي أخبره بالمعلومة فتغير وجهه، ثم قال صلى الله عليه وسلم:
يا غلام لعلك غضبت عليه؟.
قال: لا والله سمعت منه.
قال: لعله أخطأ سمعك؟
قال: لا يا نبي الله.
قال: فلعله شبه عليك؟
قال: لا ما كان للناس حديث إلا هو.
هكذا المنهج السليم للتحقق من صدق ما يسمع أو يقال أو يكتب حيث النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة ثلاثة احتمالات قبل أن يتبنى هذا القول أو يبني عليه:
الاحتمال الأول: أن يكون ناقل الكلام مغرضاً، أو صاحب هوى «لعلك غضبت عليه» ومع أن عبد الله بن أبي هو رأس النفاق وأكبر أعلامه فلم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القالة فيه مباشرة، وأحب أن يتأكد من صدق الناقل أنه ليس له غرض أو مصلحة، أو هوى ضد المنقول عنه، لأن الحكم السريع والتصديق المباشر دون تحقيق وتدقيق لأسباب هذه الأقوال والتقارير قد توقع المرء في أخطاء أكبر من القول أو التقرير نفسه، وقد يهدم نقل مغرض وحقد حاقد وغضب غاضب منظومة العمل كلها، إذا كان التسرع في قبول القول ضد أي إنسان لا يزال داخل المنظومة مهما كانت الاتهامات ضده.
الاحتمال الثاني: أن يكون ناقل الكلام غير دقيق في نقله. «لعله أخطأ سمعك» فلا يستبعد أن يكون النقل خطأ فيؤدي إلى زيادة أو نقصان في الكلام عنه بشيء لا أصل له، أو زيد فغير معناه، فإن خطأ السمع احتمال أساسي آخر ينبغي التحرز منه فلا نقبل القول أو التقرير على أنه هو الأصل، وأنه لم يغير ولم يبدل فلا بد من التأكد مهما يكن المنقول عنه متهمًا أو مشكوكاً فيه ، فقد تثبت النبي صلى الله عليه وسلم من المقالة عن رأس النفاق.
الاحتمال الثالث: أن يكون الفهم خاطئاً للكلام «فلعله شبه عليك» وهذا من أكثر الاحتمالات وقوعاً أن يفهم الكلام على غير قصده، أو يكون غيره معناه، وبالتالي تتأزم الأمور لسوء تفاهم أو سوء فهم من طرف واحد ثم تبنى الأحكام كلها على ضوء هذا الفهم السيئ، وقد يضيع الحق بظلم الفرد أو الجماعة نتيجة أوهام لا حقائق ونتيجة تفسيرات خاطئة.
إن هذا المنهج تطبيق عملي لقوله تعالى: «يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». ولو حرصنا على تطبيقه، لما وجدنا فينا ولا بيننا مظلوما. فهل نحن فاعلون؟!