عقيد (م)/ محمد بن فراج الشهري ">
كان الحوثيون سببا رئيسيا لما حل باليمن الشقيق نتيجة استهتارهم بكل المثل والأعراف الدولية وتدميرهم لبلدهم واستيلائهم على السلطة بالقوة وتهديد أمن دول الجوار والعبث اللاإنساني بكل ما هو إنساني من أجل ذلك كانت عاصفة الحزم.
ومثلما للعواصف الطبيعية أسباب تهيئ لها الهبوب وتمنحها السرعة والقوة والتأثير, كذلك كان لعاصفة الحزم أسباب ودوافع أوجبت هبوبها, ومنحتها سرعتها وقوتها وتأثيرها, وهذه الأسباب تتنوع بينما هو تاريخي, وجغرافي، وسياسي, واستراتيجي, وأمني, وأيديولوجي, وعسكري, وسوف نستعرض أو نلقي الضوء بشكل موجز حول كل هذه الأمور المهمة التي قامت من أجلها عاصفة الحزم.
1- الأسباب التاريخية: اليمن دون شك شعب عربي مسلم شقيق يرتبط بشعوب الدول العربية, ومنها دول مجلس التعاون الخليجي بالعديد من الوشائج الدينية, والتاريخية, واللغوية, والحضارية, والثقافية وهي امتداد لماضٍ استوقف التاريخ, وأملى عليه الأحداث بتمكن واقتدار وبيننا وحدة الأخوة في الجوار والعقيدة والتاريخ المشترك, وعليه تعد عاصفة الحزم دفاعا عن هذا التاريخ المشترك والصلات القوية التي تجمعنا والشعب اليمني الشقيق.
2- الأسباب الجغرافية: من الثوابت الجغرافية التي لا خلاف عليها أن اليمن هو الجوار الجغرافي لدول مجلس التعاون, حيث يقع في إطار المنطقة الإقليمية المعروفة بشبه الجزيرة العربية, يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الجنوب البحر العربي وجنوب عدن, ومن الشرق سلطنة عمان, ومن الغرب البحر الأحمر, فهو يتجاوز في حدوده البرية والبحرية مع دولتين من دول مجلس التعاون, ويبلغ طول تلك الحدود حوالي الألفيّ كيلو متر مربع, تنفرد المملكة منها بما يقارب (1470) كيلو مترا مربعا, ومن ثم فهو جزء من منظومة الدول الخليجية, وإن لم يطل على الخليج العربي, وهذا الموقع الجغرافي لليمن جعلها ظهرا أمنيا لدول مجلس التعاون.
3- الأسباب السياسية: لقد كانت الحقائق التاريخية والثوابت الجغرافية الآنفة سببا للترابط القوي بين الشعب اليمني والشعوب الخليجية في التاريخ الحديث والمعاصر, ودافعا لتوثيق العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين دول المجلس واليمن, حيث أخذت دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية على عاتقها دعم الشعب اليمني ومساندته لتحقيق الاستقرار المنشود, عبر إقامة المشروعات التنموية الشاملة في اليمن, ليحقق نهضته الحديثة ويرسخ دعائم الاستقرار السياسي, والازدهار الاقتصادي المنشود, حتى بلغ حجم الدعم المادي الذي حصل عليه اليمن من المملكة منذ تأسيسها وحتى اليوم أكثر من (90) مليار دولار وفقا لبعض الإحصائيات العالمية, إضافة إلى أن دول الخليج فتحت أبوابها للعمالة اليمنية, التي توافدت إليها بأعداد كبيرة بعد الطفرة التي شهدتها أسعار النفط عام 1973م و1974م حيث استوعبت دول الخليج 82% من إجمالي القوى العاملة اليمنية المهاجرة والمقدرة في بداية الثمانينيات بـ(1.4) مليون مهاجر استأثرت المملكة وحدها بنحو 77% من إجمالي العمالة اليمنية المتواجدة في دول الخليج. وإذا كانت الأهداف المعلنة لعملية عاصفة الحزم هو استعادة الشرعية للدولة اليمنية من براثن الميليشيات الحوثية, وإيقاف تمددهم في المحافظات اليمنية, ومنع وصولهم إلى باب المندب, مع إيقاف تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة, بيد أن الأهداف السياسية غير المعلنة هي حماية الأمن القومي العربي من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة بالدرجة الأولى, واستعادة الدول العربية لهيبتها على الصعيدين الإقليمي والدولي, وأنها لم تعد تكتفي ببيانات الشجب والإدانة دون فعل على الأرض, والتحول إلى استخدام الأدوات العسكرية في لحظة معينة للدفاع عن الأمن العربي في بعديه القُطري والقومي, فضلا عن الإعلان عن بروز تحالف سياسي- عسكري عربي جديد.
4- الأسباب الإستراتيجية: من المعروف لدى المهتمين بالشأن السياسي والإقليمي والدوري أن منطقة الشرق الأوسط عامة, ومنطقة الخليج خاصة, من المناطق التي تدخل في نطاق قوس الأزمات, وذلك بسبب التنافس الدولي والإقليمي عليها قديما وحديثا, نظرا لموقعها الجغرافي المميز الذي يضم الكثير من الممرات البحرية العالمية, ونظرا لما تنطوي عليه دولها -والخليجية بشكل خاص من ثروات طبيعية- وفي مقدمتها النفط الذي يعد شريان الحياة للحضارة الحديثة, ولتعدد القوى الإقليمية التي تتنافس في الهيمنة والسيادة على المنطقة واختلافها العقائدي والمذهبي والأيديولوجي والقومي.. إلى غير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى استمرار الصراع السياسي على المنطقة, والذي يتحول في كثير من الأحيان إلى مواجهات عسكرية بين قوى إقليمية مدعومة من قوى دولية كما هو الحال الآن ولسنا بصدد استقصاء ما شهدته المنطقة من صراعات مسلحة على مدى العقود الماضية ولكننا يجب أن نذكر بأن 3 منها على الأقل وقعت في منطقة الخليج العربي, وكانت إيران طرفا رئيسيا في إحداها (الحرب العراقية الإيرانية) كما كانت سببا لاستمرار الأخيرة منها حتى الآن (الحرب الأمريكية على العراق) لحرصها على إثارة الفتن المذهبية بين أبناء الشعب العراقي أثناء وبعد الخروج الأمريكي من العراق, ناهيك عن تدخلها لإثارة الأقليات في بعض الدول الخليجية ضد حكامها وشعوبها, وما حدث ويحدث في اليمن من صراع سياسي وسعي حوثي للاستيلاء على السلطة بعد الانقلاب على الشرعية, لا يخرج عن هذا السياق, بل هو جزء رئيسي منه.
5- الأسباب الأمنية: كانت اليمن قبل ظهور الخطر الحوثي على مسرح الأحداث مصدرا من مصادر تهديد الأمن الخليجي والعربي والدولي عبر (تنظيم القاعدة) الذي انتشرت عناصره في أغلب المحافظات اليمنية, مستغلا ما ساد اليمن في عهد الرئيس المخلوع من فقر وجهل وبطالة لتجنيد العديد من الشباب اليمني للقيام بالعمليات الإرهابية داخل اليمن وخارجه, ومعتمدا على عدم جدية النظام في مواجهته, بل إنه احتضن القاعدة وهو ما ذكره أحد العملاء المزدوج مع المخلوع والقاعدة عبر شاشة الجزيرة, ليظل ذلك مصدرا لابتزاز الدول الخليجية والغربية, فضلا عن الولايات المتحدة ماديا وعسكريا تحت ذريعة الحرب على الإرهاب, وقد تضاعفت الخطورة على الأمن الخليجي بصورة أكبر وأخطر بعدما استولى الحوثيون بمساعدة المخلوع علي صالح وأعوانه على الصواريخ البالستية التابعة للجيش, وعلى سلاح الجو اليمني, واستخدموه في قصف (عدن) بعد انتقال الرئيس هادي إليها وحتى الآن مما جعلهم مصدر تهديد مؤكدا لأمن دول الخليج كافة, والمملكة بشكل خاص وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي عجلت بهبوب العاصفة.
6- الأسباب الأيديولوجية: من حقائق التاريخ التي عرفناها أن المجوس منذ دخلوا الإسلام لم يتفاعلوا مع مبادئه السمحة وهدايته السماوية, وخصوصا ما يتعلق منها بالمساواة بين البشر, حيث ظل تقديسهم وتعظيمهم لقاداتهم وكبرائهم - باعتبارهم من طبقة خاصة خلقت لخدمة الآلهة, وأن دماءهم ليست من جنس دم الشعب!! إلى غير ذلك من الخرافات التي ورثها الفرس عن الديانة (الزاردشتية) التي كانوا يدينون بها قبل الإسلام, سيطر على قناعاتهم ومعتقداتهم حتى بعد دخولهم في الإسلام... يقول المفكر الإسلامي الدكتور أحمد أمين في مؤلفه القيم (ضحى الإسلام) أن تأثر الفرس بمعتقداتهم الدينية القديمة حتى بعد إسلامهم, والتي جعلتهم ينحون إلى التشيع.. «وتشيع قوم من الفرس خاصة، لأنهم مُرنوا أيام الحكم الفارسي على تعظيم البيت المالك وتقديسه وأن دم الملوك ليس من جنس دم الشعب, فلما دخلوا في الإسلام نظروا إلى النبي -صل الله عليه وسلم)- نظرة كِسراوية, ونظروا إلى أهل بيته نظرتهم إلى البيت المالك» فإن مات النبي -صل الله عليه وسلم)- فأحق الناس بالخلافة أهل بيته, ووجدوا في فكرة التشيع لآل البيت من أبناء علي وفاطمة -رضي الله عنهما- ضالتهم المنشودة, فأضفوا عليهم هالة من التقديس وبخاصة على شخصية (الحسين بن علي) رضي الله عنهما لأنه كان متزوجا من إحدى بنات ملوكهم السابقين, وأنجب منها ولده (علي زين العابدين) وتأسياً على هذه القناعة التي لا تمت للإسلام بصلة, بل تخالف هديه ومبادئه - اتخذوا من الأحداث التي وقعت بين المسلمين بعد قتل الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ذريعة لبث الخلاف والكراهية بين المسلمين منذ فجر التاريخ الإسلامي وحتى يومنا هذا, واشتهر غلاة الشيعة الاثني عشرية التي توارثها الإيرانيون عن أجدادهم من الفرس -بالكراهية الشديدة لأهل السنة, وخصوصا العرب منهم, وانتقلت تلك العدوى الخبيثة لكل من تبع مذهبهم, حتى من العرب أنفسهم- وانطلاقا من هذا الموروث العقدي البغيض لم يخف الحوثيون مقتدين في ذلك بساداتهم في طهران كراهيتهم وعداءهم للمملكة ودول الخليج وغيرهم من الدول العربية قيادات وشعوب, وقد برزت هذه الكراهية والعداوة في الكثير من المظاهر العملية والقولية, سواء من إيران أو من أذنابها في لبنان والعراق وأخيرا في اليمن - فجاءت عاصفة الحزم ردا لتلك العداوات المبنية على كراهية أيديولوجية بغيضة.
7- الأسباب العسكرية: من المتعارف عليه عسكريا أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم, خصوصا عندما تتعرض الدولة لتهديد عسكري قائم أو محتمل، فقد تعرضت المملكة العربية السعودية لأكثر من تهديد عملي عسكري وقولي - من قبل الحوثيين ومن أمثلة ذلك قيامهم في عام 2009م باختراق الحدود السعودية ثم قيامهم قبل انقلابهم على الشرعية بأيام قليلة وتحديدا في يوم 13 مارس 2015م بإجراء مناورات عسكرية لقواتهم التي ليست جيشا نظاميا لتقوم بالمناورات, بل هي عصابات إرهابية بمعدات ثقيلة, بالقرب من الحدود السعودية, وعندما طالبتهم المملكة بعد انتهاء مناوراتهم بإبعاد قواتهم عن الحدود السعودية رفضوا الطلب, فتعاملت المملكة مع الموقف باعتباره استفزازا لها وتهديدا لأمنها واتخذت الإجراءات المناسبة, ثم قيامهم في 23 مارس 2015 م قبل هبوب العاصفة بـ3 أيام بإرسال تعزيزات جديدة إلى جنوب اليمن.. لتقترب من مضيق باب المندب الإستراتيجي, وتهديد الملاحة الدولية وخاصة على دول حوض البحر الأحمر, وهو ما اعتبرته المملكة تهديدا لأمنها خصوصا بعد سيطرة الحوثيين على سلاح الجو اليمني، وإضافة إلى تلك التهديدات العسكرية القائمة كانت هنالك تهديدات عسكرية محتملة, تمثلت في احتمال استخدام الحوثيين لما استولوا عليه عقب انقلابهم على الشرعية من أسلحة ثقيلة وصواريخ بالستية قصيرة وطويلة المدى وطائرات حربية ضد المملكة أو دول الخليج العربية، لهذا كان الواجب إخماد هذه التصرفات والتحولات في مهدها وهو ما فكرت فيه القيادة السعودية بالتشاور مع أشقائها دول الخليج وبعد الاستغاثة التي تقدمت بها حكومة اليمن الشرعية لدول الخليج لإنقاذ اليمن من البراثن الحوثية والتدخل الإنساني والعسكري- من هذا المنطلق كانت عاصفة الحزم التي أعادت الحوثيين إلى كهوفهم التي كانوا يعيشون فيها ولقنتهم درسا من الصعب نسيانه أبدا وإن لم يستوعب الحوثيون تلك الدروس ويعودوا إلى جادة الصواب ويبتعدوا عن العبث باليمن وشعبه العربي الأبي، فسيكون القادم أشد وأقوى وأنكى وعلى الباغي تدور الدوائر..
** ** **
بعض المراجع:
1 - يوسف خطاب.. التمدد الحوثي في اليمن مجلة كلية الملك خالد العسكرية العدد119 - 121
2 - إدجار أوبلانس.. اليمن الثورة والحرب حتى عام 1970م مكتبة مدبولي القاهرة.
3 - الموسوعة الحرة.. عمليات عاصفة الحزم- يوميات الحرب.
4 - جمال سند السويدي.. حرب اليمن عام 1994م مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
5 - موقع دفاع برس.. القوات المسلحة الإيرانية 18-3-2015م.
6 - أحمد الصباحي... الانتشار الحوثي ومصادر قوته في اليمن - صحيفة البيان الإماراتية.
7 - تقرير (استراتفور) الأمريكي للاستشارات الأمنية.