لا بد أن نهيئ أنفسنا لمرحلة التقاعد لنتكيف معها ">
الجزيرة - حوطة سدير:
استضافت ديوانية النصار الثقافية بحوطة سدير معالي الشيخ عبدالرحمن أبوحيمد، وذلك للحديث عن تجربته مع التقاعد, وقد حظي اللقاء بحضور كثيف من قبل المثقفين والأكاديميين من سدير ومن مدينة الرياض، ومن مناطق أخرى.
في البداية افتتح الدكتور صالح النصار صاحب الديوانية اللقاء بقوله: نرحب بضيفنا الكريم في هذه الديوانية المباركة, ديوانية النصار معالي الأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم أبوحيمد, ونرحب بكل الضيوف الذين جاؤوا اليوم.
ضيفنا معالي الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم أبوحيمد شخصية معروفه وصاحب إنجازات مميزة على المستوى الشخصي والرسمي في خدمة هذه الدولة المباركة.
خدم الأستاذ عبدالرحمن لمدة تقرب من ثمانية وثلاثين عاماً قضاها في خدمة بلده ووطنه, فكانت البداية في وزارة التجارة والصناعة لما يقرب من ثلاث سنوات وخمسة أشهر, ومن ثم في معهد الإدارة العامة ما يقرب من إحدى عشرة سنة وأربعة أشهر, وفي الحرس الوطني أربعة وعشرين عاماً وشهرين وأربعة أيام, أثناء عمله حظي بشرف العمل والعطاء, ومرافقة العديد من رجال الدولة, وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين «الملك عبدالله بن عبدالعزيز» - رحمه الله رحمة واسعة- ومعالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري نائب رئيس الحرس الوطني - رحمه الله رحمة واسعة - والعديد من الشخصيات الوطنية البارزة.
الإنجاز الحقيقي لمعالي الأستاذ عبدالرحمن ليس في خدمة الوطن فحسب, فإنجازه الحقيقي أيها الإخوة هو في حب الناس والتفاعل مع قضاياهم ومشكلاتهم, وتقديم العديد من الهبات والمساعدات الخيرية والعينية والمالية, فهناك الكثير من المحطات في حياة عبدالرحمن أبو حيمد ولن أوفيه حقه, ولدي كتاب من تأليف أخينا الأستاذ يوسف بن محمد العتيق بعنوان «من جماز إلى الإنجاز» مليء بالكثير من القصص والأخبار والمعلومات عن الأستاذ عبدالرحمن, لا أريد الإطالة لنستمع إلى مقطع فيديو قد نشر للشيخ في برنامج «وينك» يحكي باختصار العديد من المحطات في حياة الأستاذ عبدالرحمن.
عنوان لقائنا اليوم هو «ماذا بعد التقاعد» بعد خدمة تقرب من أربعين عاماً في العمل الحكومي، وأنا أوجه هذا الحديث إلى معالي الأستاذ عبدالرحمن أبو حيمد, ما الذي تريد أن تنقله لنا حول تجربتك في العمل والتقاعد؟ هل أنت مع مقولة «التقاعد يقتل أكثر مما يقتل العمل الشاق»؟ أم مع مقولة «خلال حياتي رأيت كثيراً من الأصدقاء المقربين يتركون هذه الدنيا قبل أن يفهموا الحرية العظيمة التي تأتي مع التقاعد»؟ مع أي الجانبين أنت؟ وبماذا تنصح الحضور؟
بعد ذلك انتقل اللاقط للشيخ عبدالرحمن الذي قال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فرحتي اليوم كبيرة جداً لحضوري هذه الديوانية ولمقابلتي لهذه الوجوه الكريمة التي جاءت من كل مكان بحثاً عن الفائدة, أرجو منك أن يكون حديثي وما سأقوله في هذه الليلة مفيداً خاصة لمن بلغ عمري أو قرب منه.
كل إنسان في هذا الحياة مر بتجربة, يجب أن نستفيد من تجارب الغير سواء كانت صالحة أو طالحة, وهذه أول مرة أتحدث عن تجربتي كمتحدث وإن كنت دونته في كتاب عنوانه «خذ التقاعد وابدأ الحياة»، وكان له وقع وصدى لدى الناس والأحبة, حيث أنه يعالج موضوعاً مهماً جداً وهو «ماذا بعد التقاعد».
قبل بدء الحديث لابد أن نعي معنى التقاعد, في نظري أن التقاعد هو مرحلة عمرية يصل إليها الفرد بعد أن يبلغ سنين معينة من عمرة سواء كان في خدمة الدولة أو خدمة القطاع الخاص أو حتى في خدمة ذاته, عندما يصل إلى سن معين يجب أن يتقاعد, التقاعد هو مرحلة عمرية يجب على الإنسان أن يغير النمط الذي سار عليه في حياته عندما كان فتياً, قد تكون الخمسين وقد تكون الستين أو السبعين, بالنسبة إلى الموظفين عندما يبلغوا الستين عاماً أو الأربعين سنة من الخدمة, والعسكريين أقل من هذا, الطبيب أو المهندس أو التاجر ليس هناك تحديد, ولكن هل يستمر إلى أن يأتيه الموت؟! في نظري لا, لابد أن يحدد عمراً ينهي فيه النشاط الذي اعتاده.
عند النظر إلى حياة الفرد نجده من حين يبلغ السابعة أو السادسة وهو في كدح, يحمل على ظهره حقيبة بها سبعة إلى عشرة كيلوات من الكتب ويبدأ في الدراسة وحل الواجبات, ينتقل من مرحلة إلى أخرى, من الابتدائي إلى المتوسط إلى الثانوي إلى الجامعة وبعضهم يكمل الماجستير وبعضهم يكمل الدكتوراه, وبعضهم ينهي في وسط المراحل, لكنها حياة جهد وشقاء, ثم يتوظف, الوظيفة جهد سواء كان قطاعاً خاصاً أو في الدولة أو فلاحاً أو تاجراً, وهنا يقضي ثلاثين أو أربعين سنة, إذاً عندما ننظر نجد أن حياة الإنسان من طفولته إلى أن يبلغ سن التقاعد وهو في حدود الستين كلها كدح، كلها ركض, إذاً أين الاستمتاع؟! الإنسان من حقه أن يستمتع، من حقه أن يرتاح ويبدأ حياة جديدة.
تنظيم الوقت مهم جداً للمتقاعد أو الموظف، وما ينقصنا في المملكة هو عدم تنظيم الوقت, نترك أمورنا ووقتنا وحياتنا للبركة، أي يصبح الإنسان ليس لديه برنامج, من الثامنة إلى التاسعة أعمل كذا ومن التاسعة للعاشرة كذا و... وهذا يجعلنا نفرط في الكثير من الأمور الواجبة علينا سواء زيارة الأهل والأصدقاء أو ممارسة الرياضة, وكما يقول الشاعر:
«نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا»
الوقت مهم جداً، وإذا بدأ الإنسان بتنظيم وقته ستتغير الصورة تماماً.
هناك حتمية للتقاعد, كل إنسان لابد أن يهيئ نفسه للتقاعد سواء كان تاجراً أو فلاحاً أو موظفاً, فلابد أن يعي أنها مرحلة عمرية مختلفة عن مرحلة الكفاح, ولابد للإنسان أن يتطرق فيها لأمور قد لا يكون قد فكر فيها من قبل أو أثناء الوظيفة أو أثناء الدراسة.
ينسى كثير من الناس فترة عمره المقبلة وهي التقاعد, أنا أتذكر عندما كنت في الحرس الوطني كان هناك صديق تمر عليه يومياً قرارات التقاعد ومع هذا عندما جاءه خطاب تقاعده جاء إلي مسرعاً وأخبرني فقلت له هذا شيء طبيعي, فقال أنا لم استعد بعد! فقلت: يومياً ترى مثل هذه القرارات، قال ما انتبهت, هنا القرارات تمر عليه فماذا لو كان في قسم آخر؟! الإنسان يجب أن يعرف ويهيئ نفسه من اليوم الذي جاء قرار تعيينه أنه سيأتي يوم ويتقاعد, فلابد وأن يعيد ترتيب نفسه بداية بالعبادات ثم التهيئة المادية، فعند التقاعد سينخفض الدخل, أثناء العمل والراتب الأساسي لابد للإنسان أن يبني أسرة ومنزل ويكون له رصيد, فالراتب من الممكن أن ينقضي قبل نهاية الشهر لذا فلابد قبل التقاعد أن يبحث الإنسان عن وسيلة لزيادة الدخل.
في فترة شبابي أتذكر العديد من المواقف التي كنا فيها نبحث عن القرش ولا وقت لدينا لممارسة الهوايات, الصباح كان مخصصاً للعمل في الدولة من السابعة صباحاً إلى الثالثة عصراً, وفي العصر ممارسة العمل الحر وبالنسبة لي كان العقار, وفي المساء الدراسة الثانوية ثم الجامعية. أعرف كثيراً ممن كان في عمري مارسوا ما أشرت إليه وربما زادوا عليه. كانت الحياة أمامنا تحداً قاسياً فمتطلبات الحياة تتزايد, وبناء النفس ضرورة حتمية.
التقاعد عندما لا يخطط له يخلق مشكلات عديدة, لا لصاحبه فقط وإنما لأهله ولمن حوله وربما لمجتمعه, ولقد دونت في كتابي عن التقاعد عدداً من الأمثلة والقصص التي حصلت لبعض الناس نتيجة عدم فهم التقاعد وما يجب عمله خلاله واستغلال أوقاته فيما ينفع....
من أقرب الأمثلة التي سمعت عنها الأسبوع الماضي؛ شخص عسكري كبير عمره خمسة وثمانون عاماً, قال: إنه لا يستطيع ترك العمل, وأحدث مشكلات مع أهله وهو ضابط, وكان مقدراً من قبل مرجعه وعملوا على حل مشكلته حيث طلب أن يخصص له مكتب وعسكري كل يوم يقدم له التحية! وبالفعل عندما وفر له ما طلب انتهت مشكلته, وشخص آخر اتصلت زوجته تترجى أن يعود زوجها إلى العمل وإلا فإنه سيطلقها وكان يعمل في جامعة الإمام وكان مديرها معالي الدكتور عبدالله التركي, فطلبت زوجته أن يعود إلى العمل وتعطيهم راتبه! والأمثله في الحياة كثيرة وما نسمع عنها أقل بكثير من الواقع..
عند التقاعد يجب على الإنسان أن يركز على رصيد الآخرة, لا أريد أن أرتدي قبعة الواعظ ولا بد أن منكم من هم أفضل مني في الطاعات, لكن هي ملاحظة, ففي كل عمل يفعله الإنسان يبتغي رضى الله سبحانه وتعالى, حتى ما يفعله مع الزوجة ومن قيام الليل ومع الأولاد والأسرة من ونفقة وغيرها هذا كله في سبيل الله ومبتغاه.
ماذا يعمل المتقاعد؟ أنا أتكلم بشكل عام وليس عني شخصياً, لكن الإنسان عند حديثة لابد أن يستفيد من سيرته الذاتية بعض الشيء ويركبها في قالب عام, وفي نظري أول الأعمال التي يجب أن يركز عليها المتقاعد وهي أعمال الطاعات, والتقرب إلى الله فالأجل قريب وإن كانت الأعمار بيد الله.
أما عن اهتمام المتقاعد بنفسه, وكثيراً منا يهمل الاهتمام بالنفس سواء كان من ناحية الصحة أو التغذية أو النوم أو الراحة أو العلاقات الاجتماعية, والغذاء الفكري الذي يتمثل في (القراءة) ليس عدم اهتمام وإنما تتقدم عليها أمور أخرى, فهي مجال خصب للمتقاعد, كقراءة القرآن الكريم كلام ربنا سبحانه وتعالى ولا يمل الإنسان منه إذا استطاع أن يختمه كل ثلاثة أيام, ويستطيع الإنسان أن يتفقه في الأحاديث والتفاسير, كثيراً منا أثناء العمل يقرأ الآية ولا يدرك معناها, وهنا المتقاعد إذا قرأ أي ولم يدرك معناها يستطيع أخذ رقم الآية وفي وقت فراغه يبحث عن المعنى, قراءة الكتب الثقافية وهناك معارض للكتب كثيرة جداً وكلها شيقة وأيضاً الصحف والمجلات اليومية, الإنترنت كلها فوائد موجودة وقد تحمل ضرراً ولكن الإنسان أعطاه الله العقل ليختار الطيب منها ويفرق بين الجيد والسيئ منها.
عندما كنت أدرس الماجستير بأمريكا كان زملائي الأمريكان يدرسون معي ساعة أو ساعتين ثم يذهبون إلى أي عمل ساعتين أو ثلاث ساعات ثم يرجعون لمواصلة الدراسة, معظم الدول الآن تطبق العمل بالساعات أو إلقاء المحاضرات بالساعات ليس بالضرورة أن يكون عملاً دائماً, كل شيء بالساعات وبهذا يستطيع أن يعمل الإنسان في عدد من الوظائف في اليوم الواحد ويكون العائد جيداً بالإضافة إلى الخبرة المكتسبة, الأعمال الحرة المجال فيها واسع جداً وكل حسب قدرته واستطاعته, المهن الفنية مع الأسف الشديد نحن مقصرون فيها بشكل كبير كالسباكة أو الكهرباء, إذا خرب الصنبور نأتي بالسباك ولا يكمل خمس دقائق ويأخذ مئة ريال, لماذا لا تعمل مدارسنا على تعليم أبنائنا لكي يخدموا أنفسهم وعائلاتهم وبيوتهم, الزراعة وما أدراك ما الزراعة وإن كانت مجالاً لا ربح فيه, تربية المواشي والعقارات مجالها واسع جداً سواء شراء أو بيع أو وسيط في كل الأحوال يشغل الإنسان نفسه ويربح. التقاعد وسيلة راحة وحياة هنيئة متى ما عرف الإنسان كيف يستفيد منها, بالإضافة إلى رفع وزيادة رصيد الآخرة, للتقاعد قوائد اجتماعية وإنسانية كبيرة وكثيرة مثل الزيارات والتواصل الأسري والاجتماعي, وفوائد للإنسان نفسه مثل النظافة وترتيب المنزل والمكتب والسيارة والهندام, والراحة والاستجمام والسفر والرياضة والكتابة والقراءة وأمور أخرى عديدة ربما نتطرق إلى المزيد منها أثناء المناقشات...
فضلت أن أختصر حتى أعطي مجالاً للأسئلة, وأنا على ثقة أن الخبرة التي لدي هي لدى كل فرد منكم فكل منكم لديه خبرة وتجربة ما شاء الله, ولربما أنا أصيغها بكلمات أخرى وبأسلوب آخر.
بعد ذلك انتقل اللاقط للأستاذ صالح النصار الذي قال: التقاعد الرسمي حتمي, من يريد التقاعد مبكراً أثناء قراءتي لسيرتك الذاتية وجدت أنك طلبت التقاعد المبكر مرتين؟
الشيخ أبوحيمد: شكراً لأنك تطرقت لهذا الموضوع, اسمحوا لي أن أتكلم عن نفسي مع الاختصار, بدأت في التجارة وأنا طالب في المتوسطة, كنت أدرس وكنا نعمر عقارات وكانت هذه البدايات, عند انتهائي من المتوسطة زادت علي وعلى أخي عبدالله - رحمه الله - أعباء العائلة, وكنت آخذ مكافأة طالب 150 ريالاً ولكنها لا تكفي ولابد أن أتوظف, توظفت وكان أول راتب لي 450 ريالاً, واشتركت مع أخي عبدالله في شراء عقارات صغيرة ونعمرها كما كان يفعل الكثيرون في تلك الحقبة, الدراسة والعمل في الدولة والعقار ثلاث مهن مشيت فيها من المتوسطة وسرت فيها إلى اليوم.
في مرحلة من المراحل تغيرت الطلبات لأني أردت الجامعة وبعدها الدراسات العليا, وقد كان أخي عبدالله يعمل في معهد الإدارة العامة، وقال لي أنه جيد وأن إدارته تشجع على الدراسة الجامعية فذهبت إليهم وقبلوني, استقلت من وزارة التجارة الصناعة وتعينت عندهم وبدأت منتسباً في جامعة الرياض أو جامعة الملك سعود كلية التجارة إلى أن أكملت البكالوريوس، وبعد سنتين أرسلني المعهد لدراسة الماجستير على نفقة الدولة, وعند عودتي كانت طفرة العقارات, فحثني عقلي أن أكون من رجال العقار وقدمت طلباً للتقاعد المبكر فرفض معالي الشيخ فهد سعود الدغيثر مدير عام المعهد طلبي لأسباب أن الدولة استثمرت بي مبالغ ووقتاً, أنا أخذت الماجستير عام 74 رجعت من أمريكا في نهاية 74, قلت أنا لن أهاجر سأظل في خدمة الوطن, العمل في الدولة أو في القطاع الخاص الوطن واحد, وذكرت في الكتاب أنه كان يعتقد أن لي فرصة في منصب في الدولة ولم يرد إخباري وصدني بعذر أن الدولة استثمرت فيني، بعد رجوعي من أمريكا كان لدي أرض على شارعين متظاهرين في المخطط الأول بالعليا فسارعت إلى بناء الجزء الشمالي منها وبمساحة مئتين متر وكلفتني الفيلة في حدود مئة وعشرين ألفاً، وبعد أن سكنتها جاءني عرض بثلاثمائة وخمسين ألفاً فبعتها وكان من اشتراها مرتب تأجيرها على الشركة الإيطالية التي بنت مدارس البريفاب لوزارة المعارف, وبعد فترة شرع صندوق التنمية العقارية في إقراض المواطنين وكنت من أوائل المستفيدين منه وبنيت الجزء الثاني من الأرض وسكنتها، وفي أحد الأيام قابلت مدير الشركة الإيطالية في مكتبه في الفيلة التي بعتها فأفصح لي عن حاجتهم إلى توسعة مكتبهم فعرضت عليه فيلتي وكانت فكرة مقبولة وتفاوضنا على الإيجار فطلبت مئتي ألف في السنة فوافق وقلت لثلاث سنوات فوافق وقلت الدفع لثلاث سنوات مقدم، قال لا أستطيع واتفقنا يكون الدفع لإيجار السنة الأولى عند التوقيع وإيجار الثانية بعد ستة أشهر والثالثة آخر العام، الأول وشاع الخبر في المعهد حيث أعمل، وعلق الشيخ فهد الدغيثر على الخبر بأن مخي تجاري وليس مخ موظف، وعلق ما قاله في فكري إلى اليوم, بعد ثلاث أو أربع سنوات جاءت لي فرصة في الحرس الوطني, الرغبة الثانية في عام هـ1412 وكنت وكيل الحرس الوطني للشئون الفنية, وكان صديقي وزميلي من أيام معهد الإدارة العامة معالي الشيخ عبدالعزيز بن علي التويجري وكيل الحرس الوطني سابقاً، كنا نساعد بعضنبعضاً يوم ما أغيب يسير عملي والعكس، وكان رئيسي المباشر فأفصحت لمعاليه عن رغبتي في التقاعد المبكر وقد حاول أن يثنيني عن رغبتي ولكنني أقنعته.
سافرت إلى بوسطن وغيرت أسناني، وفي هذه الأثناء حدث موقف وطلبوا من معالي الأستاذ عبدالعزيز التويجري وكيل الحرس الوطني أن يترك العمل وطلب مني معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني المساعد قطع إجازتي والعودة إلى الرياض، وبعد رجوعي كلفت بعمل معالي وكيل الحرس الوطني بالإضافة إلى عملي كوكيل للشئون الفنية, بدلاً من التقاعد صار عملي مضاعفاً، وأنا كنت مرتباً أن أتقاعد, قمت بهذا العمل سنة ونصف السنة تقريباً وصار نوعاً من التنافس والتحدي، أي أن موضوع وفكرة التقاعد لم تعد واردة, صار هناك موضوع إثبات وجود ومن الأحق, عينت في المرتبة الممتازة وتلاشت فكرة التقاعد مرة ثانية.
بعد ذلك داخل عبدالله الضويحي قائلاً: التقاعد والاستعداد له يجب أن يبدأ من يوم دخول الإنسان إلى العمل, العسكري ممكن في أي لحظة يجيء التقاعد عنده دون ما يهيئ نفسه, الإنسان لابد أن يسير في جانبين متوازيين، إما أن يكون عنده تجارة أو يشغل نفسه بهواية, الكثير من الأجانب يعتمدون على الهواية ولو كان شيئاً بسيطاً كالسباحة والمشي والقراءة, عند التقاعد يجد الوقت ليمارس هذه الهواية بصورة أفضل وأكبر, أريد الأستاذ عبدالرحمن أن يعلق عليها.
أما عبدالله الموسى فكانت مداخلته: الهواية هي التي تملأ أكبر قدر من الفراغ في حياة المتقاعد, المجتمع السعودي لم يفرق بين المهنة وبين الهواية, أنا مهندس أو طبيب وأنا مختص بالديكور ومسئول عن البناء وعندي هواية وأطورها بالزراعة أو بالغوص أو.... فتجد الإنسان لم يكون عنده هواية دائماً يملأ وقته سواء بممارستها أو تطويرها, هناك فرق بين التخصص والهواية, سؤالي هو ما قيمة الهواية بعد التقاعد؟
الشيخ عبدالرحمن: المشكلة هنا هي أن الموظف لا ينتبه للكرسي الذي يجلس عليه, عندما يصل إلى الكرسي ويصل إلى مركز مرموق يعتقد أنه ملك هذا الكرسي وملك الدنيا وينسى أن هذا الكرسي دوار وأنه في يوم من الأيام سيتركه مثلما تركه من سبقه ولهذا تجد أنه يضع كل اعتباراته وكل همه على هذا الكرسي حتى بالنسبة للزملاء والأصدقاء وكل من حوله كلهم يربطهم بهذا الكرسي, ولهذا عندما يتقاعد فإن أصدقاء الكرسي يذهبون مع الكرسي وليس مع من كان جالساً على الكرسي, لهذا يجب على الإنسان أن يفرق بين صديق النفس وبين صديق الكرسي, لأن أصدقاء الكرسي أصدقاء مصلحة. ما أشار إليه الأستاد عبدالله الضويحي صحيح تماماً بمعني أن الموظف مدني أو عسكري يجب أن يستعد للتقاعد من أول يوم يباشر فيه الوظيفة, وما أشار إليه الأخ عبد الله الموسى صحيح أيضاً فنحن في المملكة لم نتعود التفريق بين المهنة أو الوظيفة والهواية والمتقاعد عليه أن يوازن بين الهوايات المحببة إليه وبين العمل غير المرهق في مرحلة التقاعد،
فيما نوه موسى العويس بإنجازات الضيف الثقافية قائلاً: لقد قرأت ديوان عبدالرحمن وقد ذكر أنه متطفل على الشعر, هناك أحد الأبيات التي علقت في ذهني ربما الشطر الأخير من هذا البيت يعبر عن فلسفته أو نظرته للحياة, (خلقت بالدنيا بلا مال ولا عيال وأبأرواح منها والكفن لي ستره)...هذا الجانب الأول أما الجانب الثاني لو قدر لمعالي الشيخ أن يرجع إلى الوظيفة ما هي الأولويات التي فاتته وهو على مقاعد الوظيفة؟
أما محمد بن عبدالله الحمدان فقد علق بقوله: لي قصة مع التقاعد واختبرت التقاعد المبكر عام 1400هـ والآن مضى أكثر من ثلاثين عاماً على هذا التقاعد, كان عندي كتب ومجلدات فكاهة, عندما طبعت كتابي عام 1404هـ ويقول الشاعر: أيا ليت الشباب يعود يوماً!
أما مداخلة الأستاذ يوسف بن محمد العتيق فقال فيها: اتفقنا أنا والشيخ على أن الكتاب بطبعته الأولى والثانية للأعمال الخيرية وهذا ما يؤكد عليه الشيخ, الرجل هو وطني بامتياز, الشيخ أعطاه الله ميزات كثيرة في الخلق وفي الأدب, هو سريع الاستجابة هو يحب مساعدة المحتاج وهو في قمة التواضع, تجربتي معه في الكتاب طويلة, أنا أتحفظ على كلمة في حديث الشيخ, عندما سأل عن التقاعد المبكر قال الشيخ بالنص شرط أن يجد فرصة أفضل, أنا أتحفظ على هذه الكلمة, الشيخ اهتم بحقه في التقاعد ونسي حق الوطن, نحن الآن بدأنا في إيجاد ظاهرة خطيرة ومقلقة كل ما نبغ شخص في عمله الحكومي أتى إلى القطاع الخاص واستغل قدرته, أعرف العديد من القضاة أول ما يصلوا إلى مرتبة عالية من القضاء يتركوا القضاء ويعملوا كمحامين, المشكلة هي أن القطاع الخاص بدأ في أخذ الكوادر الناجحة, إذا كنت نابغاً فسوف تتجه إلى القطاع الخاص, الحكومة تختار رجالها من القطاع الخاص ثلاثة وزراء وزير الصحة ووزير التعليم من القطاع الخاص وأيضاً وزير الزراعة ووزير الثقافة والإعلام, إذا كان الشخص نابغاً وناجحاً في وظيفته الحكومية وأتت شركة كبرى لأخذه لابد أن يكون القرار راجعاً إلى غيره, أي شخص ينجح في الدولة تأتي الشركات إليه فأصبح المجتمع السعودي كالمجتمع الأمريكي تديره الشركات ورؤوس الأموال, نريد أن يكون هناك عملية ضبط لهذا الموضوع وبالطبع ليس تحفظاً على الموظف.
وقد علق المحاضر على مداخلة الدكتور موسى بأنه يؤكد أنه ليس شاعراً وقد أكد قوله في ديوانه فيض الخاطر أما عما سيفعل لو عاد فقال إنه سيكرر ما فعل وليس نادماً على أي شيء فعله. أما مداخلة الأستاذ يوسف العتيق فقال الشيخ عبدالرحمن: نحن في وطن واحد والتنمية والإدارة للوطن تدار من القطاعين العام والخاص وهما يكملان بعضهما بعضاً ولا أرى غضاضة في قيام منافسة شريفة بين القطاعين على اجتداب الكفاءات.
صالح النصار: ما لم يقله الشيخ في هذا الحوار ربما تجدوه في كتاب «خذ التقاعد وأبدأ الحياة» وشكراً للحضور.
الشيخ عبدالرحمن: أرجو منك أن أكون أفدت الحاضرين من خلال استعراض تجربتي في التقاعد ومع التقاعد، وأشكر لكم جميعاً على الحضور والمشاركة والتفاعل.
وفي نهاية اللقاء قدم النصار شكره وتقديره للضيف الشيخ عبدالرحمن أبوحيمد وتم تكريمه.