نافذة على سماء المستقبل ">
أنا فتاة، كنت أمني نفسك بتخصص معين، لكنني - للأسف - قُبلت في تخصص آخر لا أرغب فيه.. وأنا الآن أعيش في حسرة وضيق، فبماذا تنصحني؟
ولكِ سائلتي الفاضلة الرد:
كم أثمن فيك تلك الهمة العالية والأفكار التي فُقتِ بها أقرانك ومَن هم أكبر منك؛ فقلما نجد الآن عند أقرانك من يستشرف مستقبله، ويملك طموحاً كبيراً، ويعمل على تمهيد الطريق للوصول إلى ما يريد.
وربما ينقلب هذا الطموح وبالاً وشؤماً علينا إذا ما افتقدنا للمرونة الكافية التي تمكننا من التعاطي مع مد الأيام وجزرها، ومع كرها وفرها.. وهذا ما ألمحه في وضعك؛ إذ التشبث بالحلم القديم والصلابة الفكرية والتمحور حول فكرة واحدة! إن من أشد أخطاء التفكير وأعظمها إضراراً بنا هي أن نفكر بقانون (إما أبيض أو أسود)، فبين الأسود والأبيض منطقة رمادية جميلة، تتمازج فيها الأفكار، وتستوعب الظروف، ويُتكيف مع الأحوال، وتردم بها الفجوات.. وما أروع ما قاله أحد الحكماء في وصف جميل لطبيعة النفوس البشرية وطريقة تعاطيها مع الأمنيات والقدرات؛ إذ قال: (ما نريده غير ممكن، وما هو ممكن لا نريده!). وقال آخر: (إذا لم يكن ما تريد فأرِدْ ما يكون!)
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيعُ
وقال كبير الأطباء النفسيين ورائد علم النفس التطبيقي في هارفارد وليم جيمس في معرض نصيحته لطلابه: (كونوا مستعدين لتقبل الواقع؛ فالقبول بالواقع هو الخطوة الأولى للتغلب على عقابيل أي خسارة). وأقول إن من مؤشرات العجز والاستكانة أن يتصلب الفرد أمام بعض أهدافه وأمنياته ورغباته التي حالت الظروف بينه وبينها، وشاء الله أن لا تتحقق، متوهماً أن حياته ستتوقف بدونها، وفات عليه أن السماء لن تقع على الأرض، ولن تكون نهاية العالم أو قمة التعاسة حال عدم وقوعها.. وما أدراك أن الله كتب لكِ الخير وأنت لا تدرين؟! وهي ليست دعوة للقعود، لكنها رياضة نفسية جيدة للتكيف مع ما ليس منه بد، والاستئناس بما وهب الله من أسباب السعادة الأخرى، وعلى رأسها اليقين والصحة، وكذلك الفرصة التي أتيحت لك الآن بالدراسة في كلية معتبرة. ولعل حظوظك في المستقبل فيها أكبر من حظوظك في إحدى الجامعات لكثرة التنافس هناك. أختي الكريمة، إن أحلامنا في هذه الحياة أقرب ما تكون للطرق والميادين ذات النمط الدائري، التي تنتهي إليها طرق أخرى لا حصر لها من اتجاهات مختلفة، والسعيد في هذه الحياة إذا أُغلق طريق أمامه بحث عن آخر، وطفق يسير معه، وإذا أوصد باب وأُغلقت نوافذ أشرع بدلاً منها عشرات الأبواب والنوافذ.. ومن الضروري التشديد على أهمية التوازن في الحياة، وإعطاء كل الأمور قدرها من الأهمية، لا إفراط ولا تفريط؛ لذا أرى أن تُلقي عصا ترحال فكرك، وتتوقفي عن الكر والفر، وأن تركزي على دراستك في هذه الكلية، ودعي عنك تلك الهواجس المزعجة، وضعي أمامك هدفاً أن تكوني إحدى عضوات هيئة التدريس في هذه الكلية، واعلمي أن إرادة الفوز لا قيمة لها دون إرادة الاستعداد للفوز، وقد كان الرئيس إبراهام لنكولن آل عهداً على نفسه بقوله: (سوف أحاول على الدوام أن أبذل قصارى جهدي مهما كلفني الأمر، وذات يوم ستأتيني الفرصة). ولدى المنتسبين لنادي المتفائلين مقولة عذبة: (ينتمي المستقبل إلى هؤلاء الذين استعدوا له!).
كُفِّي عن التوجع والتحسر على الماضي، ولا توهني قواك بالتفكير السلبي ولوم الأيام والظروف.. وأحسب أن خيراً كثيراً ينتظرك في نهاية الطريق بإذن الله.