ضعف الهمّة وعدم الإخلاص والمغريات أسباب ظاهرة الفتور لدى الدعاة وطلبة العلم! ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
لماذا يغيب الكثير من طلاب العلم والدعاة عن الساحات الثقافية والدعوية والمعتركات الفكرية؟ وما أسباب الفتور الذي يعيشونه؟ وما السبيل للارتقاء بالخطاب الدّيني وتجديده في المجتمع؟
أكاديمي متخصص في الدراسات الإسلامية، وداعية شرعي تحدّثا عن ذلك.. فماذا قالا؟!
ضعف الهمة والعزيمة
بدايةً يعتقد الدكتور عادل بن محمد العُمري أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد في جامعة القصيم أن معالجة ظاهرة الفتور لدى الكثير من طلبة العلم الشرعي تحتاج إلى معالجة، ربما يأتي من يقول: إن من أسباب الفتور ضعف الهمة والعزيمة، أو عدم الإخلاص أو من الشيطان أو من كثرة الملهيات والمغريات أو من مصاحبة الأشقياء وهكذا دواليك. وهذه الأسباب وإن أُطلقَ عليها أسباب إلا أنها لم تكتسب ماهية السببية التي تعرف بأنها ما يلزم من وجودها وجود ومن عدمها العدم لذاتها، فالمقصود أن تلك الأسباب تحصيل حاصل كأن أقول لك: ما الوجه؟ فتقول الوجه هو الوجه! ولسان حاله: أفتراني قد فسرتُ الماءَ بعد الجهدِ بالماءِ!
لماذا لا نتحدث عن أسباب حقيقية ملموسة تضع النقاط على الحروف، وتلامس الجرح، لماذا لا نتحدث عن علاقة الفتور بتجديد الخطاب الديني في مؤسساتنا الشرعية؟ لماذا لا نتحدث عن الجمود المذهبي والفكري؟
الوضع الطبيعي أن نرى مزيداً من الفتور والتدهور في الهمة والعزيمة ما دامت مؤسساتنا الشرعية بمنتسبيها من طلبة العلم الشرعي تراوح مكانها وكأنها تنتمي إلى عصرٍ من العصور الوسطى! بل لقد أصبح تجديد الخطاب الديني عند بعض مؤسساتنا وكلياتنا الشرعية منزلقاً وزندقةً وخطيئةً ومؤامرة، بسبب تصوراتٍ خاطئةٍ قد خلطت كثيراً بين الخطاب الديني وبين الوحي المنزل المتمثل في النصوص قطعية الثبوت والدلالة.
الاجتهاد البشري
ويبيّن د. العُمري أن هناك فرقاً بين الخطاب الديني وبين الوحي المنزل.. الوحي المنزل تمثله النصوص الشرعية قطعية الثبوت والدلالة.. فالخطاب الديني يختلف فهو وإن كان مستنده النص الشرعي إلا أنه يعتمد على الاجتهاد البشري في التعاطي مع النصوص وذلك من خلال أمرين:
أحدهما: أن يعتمد على الاجتهاد البشري في فهم النص الشرعي الصحيح، وبهذا يكون ذلك الخطاب محتملاً للصواب والخطأ مثل خطاب الفقهاء والوعاظ الذي يمثل اجتهاداً من عندهم.
الثاني: أن يعتمد على الاجتهاد البشري في نقد النصوص تصحيحاً تضعيفاً، وبهذا يكون ذلك الخطاب محتملاً للصحة والضعف كاجتهادات المحدثين في جملة أحاديث الآحاد الظنية المحتملة للصحة والضعف.
واعتقد د. عادل العُمري أن من أهم أسباب الفتور لدى الكثير من المهتمين بالعلوم الشرعية التقوقع في دائرة ضيق الرأي والمذهب، وعدم الخروج من تلك الدائرة إلى سعة الشريعة ومقاصدها الأساسية، والكسل في البحث عن حل الإشكاليات التقليدية والسائدة وهي العلاقة المتأزمة بين المذاهب الاجتهادية والحداثة الإسلامية.
لا أعتقد أن أحداً من طلبة العلم سيصيبه الفتور حين يدرك أن تجديد الخطاب الديني يكون نابعاً من المرحلة التي نعيشها بجميع أبعادها.
من البدهي أن يصيبنا الفتور حين نكون مقلدين نعيش وقتنا بتفكير أناس قد سبقونا بقرونٍ طويلة، نعتمد اجتهادات الآخرين وكأنها وحيٌ منزل، هذا خطأٌ منهجيٌ كبير.
ولو كان فقهاؤنا الكبار من الأئمة الأربعة وغيرهم بهذه المنهجية وذلك التفكير لم تظهر ولم تتكون مذاهبهم الفقهية المناسبة لوقتهم، فلم يكتفِ هؤلاء الفقهاء بآراء من هم أكثر ورعاً منهم من الصحابة والتابعين، بل كانوا مجددين لتلك المرحلة التي عايشوها، فقد أدركوا سعة الإسلام وصلاحية نصوصه لكل العصور ففهموها بطريقتهم المناسبة لعصرهم وفق مقاصد الشريعة الكبرى، وقد جاء في الحديث الذي أخرجه أبوداود في «سننه» وصححه بعضهم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أخرجه أبوداود والحاكم وصححه، ولا يلزم من ذلك أن يكون التجديد فردياً بل قد يكون جماعياً مؤسساتياً.
التربية الفكرية
ويرى د. محمود بن محمد المختار الشنقيطي عضو مركز الدعوة بالمدينة المنورة أن السبب في هذا الفتور عند بعض الطلاب وغيابهم عن الساحات الثقافية والفكرية يعود إلى نقص التربية الفكرية لدى الطالب، وضعف جاهزية وثقافة التصدي للشبهات وهجمات المناوئين للوحي الكتاب والسنة، وربما تخرج الطالب ضعيفا في الجاهزية للدفاع عن الحق الذي يؤمن به، فإذا ما كثرت الطعون والشكوك انزوى بالحق وآثر السلامة والبعد على النزول للميدان، وأذكر أن معالي الشيخ صالح الحصين -رحمه الله- كان يدعو لإقرار مادة إجبارية في علم المجادلة والمناظرة في الجامعات الإسلامية حتى على طلاب التخصصات غير الشرعية، يعود كذلك إلى كون المعارف والعلوم الشرعية أصبحت منفصمةً ومنفصلةً عن غاية (الدعوة إلى الله -جل وعلا-)، فكليات الدعوة تشعر بعض المتخرجين من غيرها بأنها حملت الراية والتبعة في الدعوة عن خريجي الكليات الشرعية الأخرى لا أنها تخصصت، ومن أسباب الفتور أيضاً التكنولوجيا اليوم، وما وصل إليه بعض الدعاة من التركيز والاكتفاء بإرساله المواد الدعوية جافة دون روحها ومعايشتها ومشاهدة تطبيقها وتمثلها عملياً لدى الداعية، وأيضا غياب تقييمها بين المدعويين وفقد الداعية لمقياس مدى استفادة المدعويين من دعوته، فيقع في النفس فتور.
كوادر علمية جاهزة
وتحدث د. الشنقيطي عن السبيل للارتقاء بالخطاب الديني وتجديده في المجتمع قائلاً: في الحقيقة هو مرتقى أصلاً في نظري لكنه يحتاج إلى وقود يحركه من التنظير إلى التطبيق. ويمكن التركيز والتحبير على أمور منها: الرفع من مستوى طلبة العلم بتأهيلهم وتكوينهم ليكونوا كوادر علمية جاهزة، يتخرج طالب العلم وهو قادرٌ على البحث واستخدام المنهج العلمي في مجال تخصصه، كما تؤهله ليكون متمكنًا من مهارات اللغة العربية ومن إحدى اللغات الأجنبية على الأقل تحدثًا وكتابةً، وملمًّا بالأحكام الفقهية وأدلتها ومقاصدها التشريعية، وقادراً على استخدام وسائل الاتصال الحديثة بما يخدم التخصص ويحقق التواصل مع الآخر، ومتحليًّا بالوسطية والاعتدال متمسكا بثوابت العقيدة وملتزمًا بالقيم الإسلامية مبتعداً عن التعصب والغلو، وممتلكاً لمهارات التعلم الذاتي بقدر يمكنه من تطوير ذاته. والسعي الجاد إلى لم شتات وجهود واضعي الخطط، ذوي المنهج الوسطي المحكم للتعامل مع مستجدات وأوعية التكنولوجيا وترشيد هذه الجهود وإتاحتها بعد تبسيطها للعامة حتى لا تبقى مجرد نظريات فلسفية حبيسة إرشيف التوصيات.