رحم الله الشيخ محمد بن عبود بن هيف القحطاني الذي وافته المنية في الأيَّام المباركة من شهر رمضان المبارك وفي العشر الأواخر؛ وكان - رحمه الله - آخر أيَّامه في رمضان. ليس على الدنيا من هو مخلد؛ وكلنا على الرحيل لنا قدر، لكن إن كان العمل للأحياء فمن الراحلين نأخذ العبر، وعلى ما ساروا عليه نتعلم، وبمثل بن هيف - رحمه الله - نقتدي في خدمة وطننا وأمتنا وأهلنا.
رحم الله أموات المسلمين جميعاً، وغفر لهم ذنوبهم. لكن هناك من علينا أن نتتبع خطاهم، ونحلل حياتهم؛ لنستخلص منها العبر والدروس المستفادة، فتكون رحلتهم على هذه الدنيا منارة يهتدي بها الأحياء.
هكذا كان في حياته - رحمه الله - رجلاً متفانياً في الخدمة العامة لمصلحة وطنه وأهله وحب الناس له لم تأتِ من فراغ وإنما أتت بجهد بُذل في عمل الخير والإصلاح بين الناس، بن هيف - رحمه الله - عاصر العهود المضيئة للقيادة الحكيمة الرشيدة لآل سعود ورافقهم، وهم الذين عُرف عنهم أنهم لا يختارون إلا من تتوافر فيهم سمات خاصة، تجعل الكوكبة المرافقة من الرجال رجال النخبة والتميز في العطاء والتفاني. الشيخ محمد - رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه - من هؤلاء النخبة الذين استحقوا علينا واجب تكريمهم وتخليد أعمالهم وتقديمهم دائماً كنماذج لأجيال المستقبل؛ ليعلموا أن ما نحن عليه اليوم بعد فضل الله أتى بالعرق والدم والجهد والعمل الدؤوب.
بن هيف - رحمه الله - وهو يعلم أنه بشر، وكل بشر على هذه الدنيا راحل إلى جوار ربه، ما كان لمثله أن يترك الدنيا إلا وهو غارس فيها من صلبه من يستمر على النهج نفسه وبالروح الوطنية نفسها سعياً لإرضاء الله - عز وجل - فكما عمل بنفسه لوطنه فقد أعد من أولاده من يضحون بأرواحهم في سبيل الوطن، ويفنون النفس والذات لأجله، فالشيخ هيف وإخوانه وأولاده من هؤلاء الجنود الذين تركهم الشيخ محمد بن عبود بن هيف - رحمه الله - الذي نعزي أنفسنا قبل أن نعزيهم؛ فكل رجل من وطني بنى وأثمر هو منا، ونحن منه، ونحن كشعب أولى به أن نذكره، ونسطر تاريخه المشرق. وفي وطني الكثير ممن يستحقون وممن يجب التعمق في مسيرتهم وتقديمها لشباب المستقبل؛ ليعلموا كيف كان الأولون، وكيف أصبحنا وسيصبح اللاحقون.
بمثل الشيخ محمد - رحمه الله - نقتدي، وبمثل بن هيف - رحمه الله - نعزي الوطن برحيله، ونطمئن الوطن بأن أرضك ولادة، وما مات من ترك وراءه من يحملون راية الإخلاص لله والوطن والمليك.
رحمك الله أيها الشيخ الفاضل، أيها المتواضع، ووصلك بالدنيا وأنت في دار الآخرة قائم بعملك وتقواك، والصالحون الداعون لك.
- طلال الزغيبي