قال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} صدق الله العظيم. لقد فجعنا صباح يوم السبت السابع عشر من شهر الخير (رمضان) ست وثلاثين بعد المئة والألف من الهجرة برحيل رجل حكيم أفنى عمره في خدمة دينه ووطنه، وقد حظي بثقة مؤسس هذا الكيان العظيم (المملكة العربية السعودية) الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل فيصل - طيَّب الله ثراه - وهو في عمر الثامنة عشرة وبخدمة امتدت (سبعين عاماً) من الإخلاص والتفاني والعدل والتواضع، فقد رفض رفضاً قاطعاً أن يضع مدير عام مكتب أو سكرتارية أمام مكتبه، فدائماً يقول منزلي ومكتبي وقبلهما (قلبي) للجميع. ومن بعده ثقة الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله - رحمهم الله جميعاً - فقد كان (الفقيد) محلاً للثقة والإخلاص.
فقد حدثني والدي رحمه الله وهو من عاصر (الفقيد) منذ تعيينه أميراً للقصيم عام ستة وستين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة وقصة تعيينه من قِبل الملك المؤسس، فقد كان (الفقيد) ملازماً لوالده الأمير عبد العزيز بن مساعد أمير حائل رحمه الله، وكان هو من يقرأ على والده المخاطبات بين الملك عبد العزيز وعبد العزيز بن مساعد، واكتشف يوماً من الأيَّام (خطاً) من الإمام لوالده لم يختم بختم الملك، فقال لوالده هذا (الخط) لم يختم، فما كان من والده إلا أن قام بإرسال (الخط) للإمام مرة أخرى مبيناً السبب بأنه لم يحمل ختم الملك. فأعجب الملك بالأمير (الفقيد) لاكتشافه هذا الأمر. وبعد فترة من الوقت أرسل الملك لأمير حائل يفيده بتعيين الأمير (الفقيد) أميراً لمنطقة القصيم، فرد الأمير عبد العزيز بن مساعد بأنه لا يزال صغيراً بالسن. فأجابه الملك المؤسس (من اكتشف ذلك الخط فيه بركة)، رحمك الله رحمة واسعة فقد كان مدرسة وطنية في القيادة والحكمة والرأي السديد والحزم والعطف منذ صغر سنه.
حدثني والدي قائلاً: في عام ستة وسبعين من الهجرة وبربيع الأول وقف الأمير رحمه الله في ديوان إمارة بريدة قائلاً: أمر علي الإمام سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - أن أتوجه إلى محافظة خط الأنابيب - التابلاين - الشمال، فمن أراد الذهاب معي فهو أخ لي في هذه الدنيا معزز ومكرم، ومن أراد البقاء في (مقر عمله) فله البقاء، فقمت ببيع (بيتي) وهو من الطين (بالخبيب) وقمت بشراء سيارة وذهبت مع الأمير قاطعاً (نفود الثويرات) باتجاه نجم الجدي شمالاً وبرفقتنا (اخويا) لا نتجاوز العشرة أشخاص وهو يردد قائلاً: (رفاقي يا من قطعتوا صحاري النفود معي) والله لن ولن أنساكم مادمت حياً.
رحمك الله يا أبا خالد قلت ووفيت وعشت ورحلت بقمة الوفاء.
خالد بن سعد الجارد العنزي - منطقة الحدود الشمالية - مركز شعبة نصاب