إبراهيم بن سليمان الوشمي ">
يحل شهر رمضان المبارك ضيفاً عزيزاً على المسلمين في شتى بقاع الأرض، كيف لا وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
وكنا (في صبانا) نجد بعض المشقة في صيامه وقيامه، خاصة في فصل الصيف، لكن مع حرص الأهل وتشجيعهم ومتابعتهم لنا، سهل علينا صيامه وقيامه بفضل الله، وكنا نتبارى مع أقراننا في تلاوة القرآن الكريم بالمساجد، ونتباهى بها - كانت الحياة العامة عادية في نهار رمضان،حيث إننا نذهب للدراسة في المدارس صباحاً، ونعود منها قبيل آذان الظهر مع أننا صائمون، كما أن حركة البيع والشراء، والأعمال يقوم بها أصحابها كما لو كانوا في غير رمضان.
أما موائد السحور والإفطار في البيوت، فإنها غالباً ماتكون من التمر واللبن والماء وبعض أطباق المهلبية وشوربة القمح المحلي، وما تصنعه ربات البيوت من قرصان أو معجنات مثل (التاوة) إضافة إلى القهوة والشاي، وفي الشتاء تكون المأكولات الساخنة والدسمة - إضافة إلى القهوة والحليب والشاي - حاضرة.
وعندما تغيب الشمس، ويبدأ أذان المغرب، ينطلق صوت مدفع رمضان (الوحيد) مدوّياً في أجواء المدينة الصغيرة (آنذاك)، وهو منصوب على تلة رملية مرتفعة غرب بريدة تسمى (القصر العالي) حتى أن أهل الأرياف الغربية يسمعون صوته بوضوح أوقات السحور والأفطار والأعياد ويعتمدونها.
ومع آذان المغرب في كل يوم من رمضان، كان والدي - رحمه الله- يطلب منا (على وجه السرعة) أن نفَّطر أهل السوق أثناء مرورهم بالشارع قاصدين بيوتهم ومساجدهم (وهم في الغالب يسيرون مشيا على الأقدام) بعد تفرقهم من مجالس البيع والشراء، فكنا نخرج حاملين التمر والقهوة والماء عند الباب، فيفطر المشاة وهم واقفون، ثم يواصلون سيرهم، أما أصحاب السيارات (وهي قليلة آنذاك) فنفطرهم وهم في سياراتهم، كما نفعل ذلك مع أصحاب عربات الكروّ.
ومن ذكريات الصبا في رمضان، تبخير (أو تجمير) المساجد والحاضرين فيها للصلاة، بين العشائين، نحن وبعض صبية الحي، ولكبار السن حظوة كبيرة في ذلك، أما في ليلة ختم القرآن الكريم في المسجد (عادة ما تكون ليلة سبع وعشرين) فإننا نمطر رؤوس الحاضرين برشات العطور والمسك، الذي تحضّره نساء الحي في بيوتهن، ويضعنه في مرشّات (جمع مرَّش) صُنعت لهذا الغرض.
وكانت صلاة التراويح (في جميع مساجد بريدة) ثلاث وعشرون ركعة بما فيها الشفع والوتر، أما السهر في ليالي رمضان فهو ممنوع بأمر الآباء والأمهات إلا في ليالي العشر الأواخر حيث صلاة القيام.
وفي صبانا كنا نزاول بعض الألعاب الشعبية في نهار رمضان مثل أم خطوط، والحِدل، وكرة الطائرة.
وفي فصل الشتاء تقام الصلوات الراتبة، وصلاة التراويح والقيام في الخلاوي السفلية للمساجد، طلباً للدفء.
- بريدة