الدَّيْن المحلي لبعض الدول الخليجية يتطلب مراجعة المعايير النقدية للتكامل الاقتصادي ">
الجزيرة - حسنة القرني:
في وقت عصفت أزمة الديون اليونانية بدول منطقة اليورو، دعا اقتصاديون عبر «الجزيرة» إلى ضرورة التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي والاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها دول منطقة اليورو، مؤكدين أن الخطوات التمهيدية لذلك تقضي بتوافر عدة مراحل اقتصادية متكاملة من شأنها أن تسهم في رفع اقتصاد الدول الخليجية وتطوير قطاعاتها المختلفة غير النفطية.
وطالب المختصون الاقتصاديون في حديثهم لـ«الجزيرة» بضرورة مراجعة معايير التقارب الاقتصادي التي تم التوافق عليها خصوصاً تلك المتعلقة بالمعايير المالية والنقدية التي تهدد بعدم دخول بعض الدول الخليجية ضمن منظومة الوحدة النقدية، نظرًا لتجاوز حجم الدين المحلي لديها إلى الناتج المحلي 60 في المئة، على الرغم من انخفاض معدل الديون في الدول الخليجية حيث تعتبر من أقل مستويات الديون في العالم وقد بلغ حجم ديون دول مجلس التعاون الخليجي بنهاية عام 2013، نحو 646.3 مليار ريال سعودي (172.4 مليار دولار أمريكي) مقارنة بحجم ديون منطقة اليورو المكونة من 17 دولة حيث بلغت نهاية العام نفسه 8.6 تريليونات يورو (11 تريليون دولار).
وعدّ الاقتصادي الدكتور حسن العالي انخفاض اليورو مقابل الدولار أمرا إيجابيًا من شأنه أن يدعم توجهات المجلس النقدي الخليجي الراهنة حول إبقاء العملة الخليجية الموحدة مرتبطة بالدولار الأمريكي، مؤكِّداً لـ«الجزيرة» عدم إمكانية فك ارتباط العملات الخليجية عن الدولار على المدى القريب.
ودعا العالي المجلس النقدي الخليجي إلى ضرورة الاستفادة من التجربة الأوروبية مشيرًا إلى أن الحالة اليونانية قدمت دروسًا بالنسبة للوحدة الخليجية، مطالبًا بإعادة النظر للمعايير المالية والنقدية الموضوعة للعملة الخليجية الموحدة خصوصاً فيما يتعلق بنسبة الدين إلى الناتج المحلي. بالإضافة إلى إعادة النظر في عملية احتساب المعدل السنوي للتضخم لأن جزءا كبيرا من التضخم لدينا يتم استيراده من الخارج.
كما طالب العالي بإنشاء برنامج تعاضدي بالنسبة للدول الأكثر غنى للارتقاء بمستوى الدول الأقل دخلا بهدف تقريب بين المستويات المعيشية والاقتصادية، وبالتالي تجنب مثل هذه الانهيارات التي حصلت في اليونان.
ودعا العالي دول الخليج إلى ضرورة التفعيل الكامل للسوق الخليجية خصوصاً فيما يتصل بالاستثمارات المشتركة والتجارة وذلك عن طريق إطلاق عجلة تحرير عناصر الإنتاج بهدف التعجيل بالوحدة النقدية.
وفي السياق ذاته، رجح العالي إمكانية اختراق بعض المعايير المالية والنقدية للعملة الخليجية الموحدة التي وضعتها دول الخليج، مؤكِّداً أن معيار عدم تجاوز نسبة الدين المحلي إلى الناتج الإجمالي 60 في المئة من أكثر المعايير المهددة بالاختراق، لأن البحرين وسلطة عمان على وشك تجاوزها، فالبحرين على سبيل المثال لديها قرض قفز بالدين إلى 7 مليارات وبذلك يتجاوز الدين لديها تلك النسبة، ولعل هذا من الأسباب التي جعلت سلطنة عمان تتردد في الانضمام على اعتبار أن لديها تحفظا على هذه النسبة، مرجعًا أسباب ذلك لتواضع مساهمة الإيرادات النفطية في الناتج المحلي بالنسبة للبحرين وسلطنة عمان مقارنة ببقية الدول الخليج الأخرى.
وأكد الاقتصادي الدكتور فضل البوعينين لـ«الجزيرة» جدوى الاتحاد النقدي الأوروبي على الرغم من التجربة المؤلمة التي يمر بها ـ حسب وصفه ـ وعزا ما يحدث اليوم في أوروبا إلى مسببات اقتصادية ومالية تتحملها الدول المخلة بمعايير الاتحاد النقدي، مرجحًا علاقة ما يحدث بالاتفاقيات الأولى التي حملت بعض الدول الأوروبيَّة التزامات لم تستطع تحملها، مؤكِّداً عدم إمكانية تجاهل الأسباب الجوهرية فيما يحدث اليوم التي تتمثل في التوسع في الديون مع الإحجام عن زيادة الضرائب لأسباب انتخابية، بالإضافة إلى الفساد المالي المنتشر ـ حسب قوله ـ في الدول المتضررة وفي مقدمها اليونان.
وطالب البوعينين الدولة الخليجية المنضمة للمجلس النقدي بالاستفادة من هذه التجربة وتحويلها كدرس يساعد المجلس النقدي الخليجي في وضع سياساته ومعاييره وتحوطه. مستبعدًا ـ في الوقت نفسه ـ إصدار العملة الخليجية الموحدة، فالأمل لا يزال بعيدًا فالتحرك العملي لإصدارها لم يتم بعد بالرغم من الاتفاق على مشروع العملة الخليجية الموحدة وإنشاء المجلس النقدي الخليجي، بالإضافة إلى إنجاز جميع المعايير التي يقوم عليها الاتحاد النقدي بين الدول الموقعة.
وأرجع البوعينين إحجام دول الخليج عن إصدار العملة الخليجية الموحدة إلى أسباب داخلية، فلا علاقة لما يحدث في الدول الأوروبية بعدم جدية الدول الخليجية في إصدار العملة واصفًا الدول الخليجية المنضمة للمجلس النقدي بغير الجادة في إصدار العملة الخليجية الموحدة من حيث الحماسة للقرار، مطالبًا الدول ا لأعضاء بسرعة اتخاذ قرار حاسم خاصة وأن غالبية المعايير المطلوبة من قبل الدول الأعضاء تكاد تكون محققة اليوم.
وتوقع البوعينين أن تزيد العملة الخليجية الموحدة في حال إصدارها من متانة اتحاد الدول الخليجية وقوته النقدية والاقتصادية بحيث تسهم في تعزيز التجارة البينية، إضافة إلى ما ستحققه في ربط الدول الخليجية بشكل أكبر وانفتاح أسواقها وتدفق رؤوس الأموال وتعزيز الاستثمارات.
وأرجع الاقتصادي محمد العنقري لـ«الجزيرة» سبب أزمة منطقة اليورو إلى اعتماد الاتحاد النقدي الأوروبي في بنائه لعملة اليورو على الوحدة النقدية في الوقت الذي كان من المفترض أن يبنى فيه اليورو على الوحدة المالية ثم النقدية.
داعيًا المجلس النقدي الخليجي إلى ضرورة الاهتمام بكل التفاصيل المهمة التي ترتبط بإصدار العملة مع أهمية الاستفادة من هذه التجربة وسد الثغرات والاحتمالات السلبية، وذلك من خلال توحيد السياسة المالية بين دول الخليج قبل السياسة النقدية وإلا فإنَّ على المجلس أن يؤجل مشروع العملة الخليجية الموحدة، وذلك لتعظيم الفائدة من العملة الخليجية الموحدة فالمسألة ليست شعارا ولها انعكاس على دول المنطقة واقتصادياتها.
واستبعد العنقري إمكانية سحب تجربة منطقة اليورو السلبية على العملة الخليجية الموحدة ـ في حال كان هناك اتحاد نقدي خليجي ـ نظرًا لطبيعة اقتصاديات دول الخليج المتشابهة واحتياجات التنمية المتقاربة، بالإضافة إلى قوة معظم الدول الخليجية ائتمانيًا إلى جانب ضخامة احتياطياتها المالية.
مؤكِّداً اختلاف الظروف والمعايير والمقارنة الاقتصادية بين دول منطقة الخليج ودول منطقة اليورو.
وطالب العنقري الدول الخليجية بدراسة احتياجاتها التنموية وقدرتها على أن تكون دولًا فاعلة في الوحدة النقدية ومعرفة مدى تأثير العملة الموحدة عليها إلى جانب عدد من المعايير الأخرى التنظيمية والإدارية ، متمنيّاً ألا يكون لدى أي دولة خليجية مستقبلًا ما يمنعها من الدخول في العملة الخليجية الموحدة في التوقيت الذي ستصدر فيه.
وفي السياق ذاته، أكد أمين عام اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبد الرحيم نقي لـ«الجزيرة» نجاح تجربة منطقة اليورو في توحيد عملتها النقدية وذلك من منظور تجاري، مطالبًا من يرى بفشل التجربة إثبات ذلك في كل الدول الأعضاء التي اعتمدت اليورو عملة نقدية، معلقًا أزمة اليونان على الأزمة المالية العالمية التي حدثت في 2008 التي لا تزال دول العالم تشهد ارتداداتها ولاسيما اليونان التي تحتاج لدعم اقتصادي.
واتهم نقي المعارضين للعملة الخليجية الموحدة بالترويج لفشل اليورو، واصفًا إياهم بالمتربصين باليورو لحساب الدولار والجنيه من جهة وبالوحدوية من جهة أخرى.
متوقعًا أن يسهم اعتماد عملة خليجية موحدة في رفع اقتصاد الدول الخليجية وتنويع اقتصادياتها غير النفطية وتحسين البيئة السياسية بمزيد من التقارب إلا إذا رأت السلطات النقدية غير ذلك.