صدر أخيراً عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية (1436هـ - 2015م) “كتاب التاريخ” لمؤلفه: أبي حفص الفلاّس، عمرو بن علي بن بحر السقاء، برواية: أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام الخشني القرطبي، وتحقيق: الدكتور محمد الطبراني، أستاذ علوم القرآن والتفسير بكلية اللغة العربية في جامعة القرويين بمراكش المغرب.
ويقع الكتاب في (692) صفحة من القطع الكبير، موشَّىً بفهارس أنيقة تليق بمكانة الكتاب وندرة مثاله.
وقد جاء في مقدمة محققه: “حقيقٌ ببيت أبي تمام السائر:
أَبْقَى على جوْلة الأيام من كنفي
رَضْوَى وأسْيَرُ في الآفاق من مثل
أن يُصْرَف إلى كتابنا هذا، أحد المخطوطات النادرة، فإنه غالبَ الأيامَ -، وكانت به ضنينة - فغلبها، واستأثر به النسيان دهراً فبذَّه وشبَّ عن طوقه..”.
ومؤلف الكتاب: عالم بصري، وهو أحد رواد المدرسة النقدية البصرية في الحديث، نما في بيت علم وحديث، وهو - بعدُ - غرس شيخَيْ هذه المدرسة: يحيى بن سعيد القطان، وعبدالرحمن بن مهدي، حتى قيل: “لو روى عمرو عن ابن مهدي ثلاثين ألف حديث لكان مصدَّقاً). وهو ممن روى له أصحاب الكتب الستة؛ فهم تلاميذه.
وهذا الكتاب أصلٌ عظيم نفيس، ومصدرٌ لطرق وروايات فاذَّة، حتى إن الإمام البخاري تلميذ المؤلف - في تاريخه الأوسط استند إليه ورشف من رَوْحه؛ كما قال محققه.
وجاء في قسمين: مقدمة المحقِّق، والنص المحقَّق:
أما المقدمة فقد استُوفِيَت فيها جوانب كثيرة؛ ترجمة موسعة جامعة لأبي حفص الفلاس (المؤلف)، ضمَّنها الكلام على نشأته، ورحلاته، وطلبه، ومكانته عند شيوخه، ولا سيما شيخاه: القطان، وابن مهدي، وذكر جملة مليحة من شيوخه، سواء الذين ذكروا في الكتاب أو أولئك الذين أوردتهم كتب التراجم، كما عرج على ذكر تلاميذه والسبب في كثرتهم، وعلاقته بهم، وصلته بالمعاصرين له من الخلفاء وغيرهم. ثم جاء على ذكر تآليفه، وتعرض لثناء العلماء عليه، ووفاته.
ثم أفرد كتابنا هذا بالحديث؛ فتكلم على تسميته، وتاريخ تأليفه، ووصفه، ومنهجه، وزوائده، وأمثلة لتصحيحات عنَّتْ له في الكتاب، وذكر بعض المآخذ عليه، ثم الترجيحات التي تعرض لها الفلاس في أثناء كتابه، وموارده، روايته في المشرق والمغرب، ثم جاء على الحديث عن النسخة المخطوطة؛ وصفها، وأصالتها، وسندها، ومعضلاتها، ومنهج تحقيقها، ومصطلحاته فيه.
وأما النص المحقَّق فقسم ثلاثة أجزاء:
جعل الأول منها للحديث عن التاريخ والسيرة، ثم تاريخ الخلفاء الراشدين، وطرف من أخبار ممن جاء بعد الخلفاء ممن ولي أمر المسلمين وصولاً إلى الخليفة المأمون، ثم خصَّص جزءاً صالحاً منه للحديث عن موالد ووفيات عدد كبير من الصحابة والتابعين وغيرهم، ثم خصَّ قسطاً منه لذكر من مات من فقهاء أهل البصرة، وغير ذلك.
ثم جاء الثاني للحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ممن عرفوا بكناهم، ثم عرج على ذكر أهل الكوفة.
على أن الجزء الثالث جاء في معظمه متناولاً للرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوه مختلفة؛ كأن يذكر منهم من كان من هاشم، أو بني أمية..، أو ممن كان منهم من ساكني الشام أو اليمامة أو الرقة. وكذلك فعل المؤلف فيمن روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم سمَّى شيوخ حميد الطويل، وشيوخ سعيد بن أبي عروبة.