يبدو لي أن أحد مصادر معاني وتركيب بعض العبارات المتداولة يتشكَّل وينبثق بتأثير من سخونة أو برودة حرارة الطقس، فتظهر وكأنها طالعة من الطبيعة الجغرافية - المناخية لقائلها أو المتلفظ بها.. لهذا فإن التعابير والصفات والتوصيفات تتباين وتتغاير بين المناطق الحارة والمناطق الباردة، حتى إنها في كثير من الأحيان تصل إلى درجة التناقض.. ففي الصحارى مثلاً، حيث الحرارة مرتفعة يجري تداول العبارات التي تدلّ وتوحي بوهم البرودة واستحضار «مناخ» أرطب وأرقّ وأنعم! فيقال: «لقد أثلج مجيئك صدري» أو «أثلجت» أخبارك صدري، إلى غير ذلك من استعمال كلمة «ثلج» المفقود وجوده، إنما الموحي بالبرودة الغائبة في ذلك الوسط الجهنّمي اللاهب! بالمقابل لا يمكن تداول هذه العبارة من قِبَل شعوب شمال أوروبا الباردة أو مناطق «سيبيريا» المجلدة وبقاع «ألاسكا» وشعب «الأسكيمو»! حيث الثلوج تغطي البلاد في بيئة زمهريرية قارصة، فهنا يتداول الناس عبارات توهم السامع والقائل بالحرارة الساخنة فيقال: «لقد أدفأ مجيئك صدري» و»أدفأت أخبارك صدري» بدل «أثلج وأثلجت»!
والبلاد التي يندر فيها سطوع الشمس بفعل الضباب والغيوم كما في أوروبا بشكل عام وخصوصاً بريطانيا و»لندن» بالذات، فإننا نلاحظ أن العديد من الأغاني الرومانسية الإنكليزية تقول: You are my sunshine، أي أنتِ وهج شمسي!
وانطلاقاً من هذا التوصيف واستحضار الدفء والضوء في بلاد محكومة بالبرد والضباب، فإنه لا يمكن لأي مواطن عربي من ساكني مناطقنا الحارة الملتهبة أن ينداح مرتاحاً مغتبطاً متغزلاً بحبيبته قائلاً: أنتِ شمسي الساطعة... اللاطعة..!!
وإذا ذهبنا بعيداً في «نكش» الأمور مع حذرنا الشديد من حدوث «ضربة شمس» أو «نزلة برد» لاكتشفنا الفروقات بين ثقافة «الصقيع» وثقافة «الجمر»!! وكدتُ أعتقد يوماً بوجود «شِعر بارد» و»شِعر ساخن» مع أن غالبية شِعر هذه الأيام هو «فاتر»!!
ومهما تقاربت الشعوب وتعولمت، وحدثت معجزة وتوحَّد العرب فإن المناخ سيبقى بكل تجلياته متنوعاً مغايراً من بلد لآخر ومن منطقة لأخرى بين حار وبارد ومعتدل واستوائي وقاريّ وصحراوي وساحلي وجبلي وسهلي... وسيبقى للكلام خصوصية دلالية تبعاً لحرارة الجو والأرض والبحار!
ومهما حَدَث فلن ترد عبارة «عودة المياه إلى مجاريها» في الصحراء، وذلك لعدم وجود المياه! وكذلك لن ترد أوصاف «الماء البارد القرّاح» و»النسيم الرطب العليل» و»ريح الصبا» لدى ابن المناطق الباردة!
المعروف أن الثلج عندما يصل في تجمّده إلى درجة متدنية جداً تحت الصفر يصبح «حارقاً» كالنار!
فهل مصير كل الخاطئين في بلادنا الحارة هو «جهنم» النار؟ ومصير كل الخاطئين في البلاد الباردة هو «جهنّم» الثلج!
أعتقد بأننا اليوم في هذا الزمن «الداعشي» نتحارب على «الآخرة» وليس على «الدنيا»! وننقسم بهذا إلى قسمين: فريق يريد لنفسه العذاب بالنار، وفريق يريد العذاب لروحه بالثلج!
أمام هذا المأزق الرهيب لن يكون هناك ما يثلج الصدر، أو ما يدفئ الروح!
- د. غازي قهوجي
kahwaji.ghazi@yahoo.com