خالد الدوس ">
- لا شك أن من صفات وخصائص المجتمع الإسلامي.. أنه مجتمع تكافلي يقوم على التراحم والتواصل والتواد والبر والترابط الأخوي والإِنساني.. يسوده العدل والتكامل والإحسان.. كما أن ديننا الإسلامي الحنيف دين العدالة الاجتماعية ودين المحبة والرحمة والتضامن الاجتماعي الذي وضع نظاما فريدا للعلاقات الإِنسانية والروابط الأخوية.. من ثوابته وأسسه الحكيمة أن جعل فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق هي المنطلق أو المرتكز التي يقوم على دعائمها بناء المجتمع الإسلامي الحضاري.. ولذلك فإنَّ الصدقات والإنفاق على المحتاجين والمكلومين وبذل المال في أوجه الخير والإحسان مطلب ديني.. وسلوك حضاري.. واتجاه أخلاقي.. وواجب اجتماعي.. إِذْ إن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بتفريج كربات الفقراء والمساكين والمحرمين والضعفاء مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي.. وعندما يلتزم المجتمع بهذا القاعدة التضامنية والأخلاقية يجد التكافل الاجتماعي ومنطلقاته السامية.. مكانة مرموقة وبارزة في المجتمع الإِنساني الواعي.. بحيث تتحقق فيه جميع مضامينه وتتسع فيه دائرة التساند والتماسك الاجتماعي.. انطلاقاً من قول النبي - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الشريف.. (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)... وفي الحديث المتفق عليه «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا).. فالصدقة تبارك المال وتقي من مصرع السوء وتزيد الإيمان وتشرح الصدور وتهذب النفوس وتؤلف بين القلوب وتستر العيوب.. وتخفض الفوارق الاجتماعية وتؤصل قيم الروابط التكافلية.. ولذلك فإنَّ من أعظم الأعمال الصالحة.. ذات الأثر الإيجابي على المجتمع.. هي صدقة التطوع.. وهي صدقة اختيارية خارجه عن نطاق وحدود الوجوب.. تعطى للفقراء والمحتاجين طلبا لمرضاة الله.. ولشعيرة الإنفاق والتصدق.. عدة مظاهر قد تكون (معنوية) كإفشاء السلام والابتسامة في الوجه، وقد تكون (مادية) وتشمل أعمال البر التي يقصد بها وجه الله تعالى وقد تكون (عينية) مثل ما يقدم من طعام وملابس وأدوية.. إلخ، ولا ريب أن للصدقة آثارا إيجابية على المجتمع وبنائه حيث تعمل على تقوية أواصره وتثبيت دعائمه والعمل على بث روح التعاون والتواصل وتجسيد عمق التضامن الاجتماعي بين افراد، كما أن للصدقة انعكاسا نفسيا وعاطفيا واجتماعيا على المتصدق وعلى المحتاج.. وبذات الوقت تقي المجتمع من أسباب الانحراف والفساد والسرقات.. لأن الفقر ومثالبه يجعل الإِنسان المعسر.. يتجه (ميكانيكا) إلى مستنقع الفساد والجريمة.. فيقع بالتالي فريسة لأصحاب الفساد والمخدرات والانحراف الأخلاقي الذين يستغلونه وحاجته في تحقيق أهدافهم ومآربهم وتنفيذ رغباتهم، كما أن التصدق يوّثق روابط الإخوة.. ويظهر مبدأ التكافل الاجتماعي والأخلاقي، وبالتالي يشعر الغني بحاجة أخيه الفقير فيسرع ويمد يد العون له ليقضيها له وبالتالي يترك اثر عميق في النفوس والوجدان.
ومع الأسف أن مفهوم الصدقة التي جعل الله سبحانه وتعالي لها بابا من أبواب الجنة الثمانية لعظم فضلها وأثرها ومكانتها. عند البعض مازال مفهوما (ضبابيا).. حيث يعتقد هؤلاء أن إخراجها فقط في شهر رمضان فنجدهم يتسابقون في مضمار الإنفاق والبذل والعطاء بسخاء والتصدق على الفقراء والمحتاجين على نحو جعل سوق المتسوّلين وأصحاب العاهات الفكرية والدجل والكذب تنّشط خلاياهم، وبالتالي تزايد مكاسبهم في هذا الشهر الفضيل مستغلين مشاعر وعواطف كثير من الناس.. ومفهومهم الخاطئ في أوقات إخراج الصدقة، بالذات في رمضان شهر الخير والغفران، والأكيد أن أبواب الصدقة مفتوح في كل زمان ومكان ولا يقتصر فقط على اخراجها في شهر رمضان كما يعتقد البعض، فمن عظمها أنها باب من أبواب الجنة، وعبادة جليلة من العبادات التي تطفئ غضب الرب.. وطريق أسرع إلى رحمة الله وكسب محبته ومرضاته.. ولذلك يُكره التصدق بالرديء.. بل ينبغي المبادرة عند إخراج الصدقة تقديم ما هو أطيب وأفضل بالذات في الصدقات العينية.. فقد كان بعض السلف الصالح عند إخراج صدقاتهم كانوا يحرصون اشد الحرص على إخراج ما هو أجود وأطيب وأحسن تقديرا لأهمية هذه العبادة الجليلة وعظم فضلها التي أدخلت امرأة (بغي) من بني إسرائيل الجنة بعد أن سقت كلب يلهث كاد أن يأكل الثرى من شدة العطش.. فغفر الله لها.
وقد يكون جهل البعض فضل شعيرة الإنفاق العظيمة وقلة الورع.. وعدم الإحساس بقيمة الصدقة وفضله الكبير عند الخالق العظيم يجعلهم لا يكترثون بإخراج ما هو أطيب وأجود، بل إن البعض يفسدها ببعض الممارسات الخاطئة كالرياء والمّن والبحث عن السمعة والثناء الحسن.. ودفعها من أجل منافع دنيوية أو مصالح ذاتية.. ولذلك ينبغي على المؤسسات الدينية والدعاة والعلماء وطلبة العلم النهوض بقالب التنوير وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عند البعض فيما يتعلق بموضوع الصدقة.. بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية المختلفة، خاصة خطب الجمعة ومنابرها التوعوية، وما يعزز دور وأهمية هذه الخطب.. أن هناك دراسة متخصصة أظهرت نتائجها ومعطياتها العلمية أن تأثير خطبة الجمعة في إيصال الرسالة والتوجيه والمضمون والإرشاد أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز.