عبدالرحمن بن ساير العواد ">
إن الكلمة هي طاقة تحمل بما لا يخفى على أحد الكثير من التأثير وهي تتفاعل بشكل لا مرائي مع الإنسان نفسه ومع الآخرين أيضا، فعندما توجه كلمات سب وشتم إلى زوجتك/زوجك فهذا يعني توجيه طاقة سلبية له، وأما إن وجهت كلمات الرحمة والمودة فستكون الطاقة إيجابية وفي كلتا الحالتين ستخلق تأثيرا على ذلك الشخص الذي وجهت له تلك الطاقة الكلامية.
وهذه الطاقة الكلامية تؤثر في أبعاد الإنسان الثلاثة (الفكرية والمشاعرية والجسدية) وليس أدلّ على ذلك ما دار بين النبي- صلى الله عليه وسلم- في زيارته لأحد المرضى حيث قال له رسول الله: لا بأس طهور إن شاء الله فاعترض الرجل بلغة مليئة بفكر ومشاعر التعجب والاستنكار قائلا (طهور)! كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- فنعم إذا. وإذا قمنا بتحليل وتفكيك بنية هذا النص سنجد النموذج الكامن فيه كالتالي: (حمى - شيخ كبير - قبر) هو التصور الذهني/الفكرة الذي كان يحمله هذا الرجل عن حالته وليس ذلك وحسب بل وتحولت من تصور ذهني إلى كلمات منطوقات فما كان لهذه الفكرة إلا وأن تتجسد في الواقع المادي المحسوس، وهنا يتبين لنا أهمية الوعي بلكماتنا وعليه فإن من أجمل وأسمى ما يمكن أن نَعِيَهُ في تجربتنا الحياتية التي نعيشها الوعي بكلماتنا، ولاسيما وأن ذلك سينعكس على الفرد نفسه أولا ثم على المحيط الذي يتعامل معه. إننا ونحن نتحدث عن الوعي بالكلمات تتراءى لنا نورانية إحدى الآيات في كتاب الله المقدس والتي شبهت طاقة الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة وشبهت في المقابل طاقة الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا... وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}. فالله سبحانه وتعالى يؤكد لنا من خلال هذا النص بأن الوعي بالكلمات مطلب رئيس ومهم وقليل من الناس يكون واعيًا بكلماته سواء ما كان منه داخلياً أو خارجياً.
ثم إن هذه الآيات تحمل دلالة مهمة لنجتهد في رفع الوعي بكلماتنا حيث حددت لنا خيارين اثنين في طاقة الكلمات، فإما من الطيبات وإما من الخبيثات؟ إذن فإن الوعي بالكلمات وطاقتها يعد مكونا أساسيا لك أيها الإنسان الواعي وهذه دلالة جميلة لو فطنا لها وفعلناها في عمق التربية لأنفسنا ولأولادنا لرأينا شيئا عجبا.
إن الوعي بالكلمات ثقافة لابد من الاهتمام بها وطرحها في مختلف اللقاءات والمناسبات ذلك أنها ستشكل خريطة التعامل مع النفس أولا ومع أفراد المجتمع ولعلّ ما تظهره مواقع التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان أو حتى ما نشاهده في بعض المواقف اليومية في الشوارع أو المدارس يشير وبلا شك إلى غياب تام للوعي بالكلمات فسباب ولعن وشتائم ليس لها حدود حتى بين الأطفال صغار السن. ولو التفتنا إلى الخطابات الدينية المقدسة لوجدناها ثرية جدا بالوعي بالكلمات فهذا رسول الخير والجمال يقول: {إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ} إن وعينا بكلماتنا حتما سيغير طريقة التكلم/الدعاء مع الله نعم حتى مع الله وعليه فلا بد لنا من العودة إلى الالتزام بمنهجية الخطابات المقدسة الواعية.
ولترسيخ ثقافة الوعي بالكلمات لا بد أن يجتهد الآباء والأمهات بالقيام بدورهم في ذلك على أكمل وجه لنحفل بأبناء قادرين على التوازن ناضجين انفعاليا ومتحركين بالقيم النبيلة والأفكار الخلّاقة بعيدين عن الكلمات الخبيثة وطاقتها السلبية.
فتلمسوا كلماتكم تزداد البهجة في حياتكم.