الثناء ودوره في التربية ">
يقول د. محمد بن عبد الله الدويش: من يتأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه يُثني على أصحابه في مواقف عدة. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة»(1)، وقوله لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لِمَا رأيت من حرصك على الحديث»(2)، وقال ـ أيضاً ـ: «كان خيرَ فرساننا اليوم أبو قتادة، وخيرَ رجالتنا سلمة»(3)، وقال لابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «إنك غلام معلم»(4)، ومن نظر في أبواب المناقب رأى الكثير في ذلك.
إن الثناء يُشعِر الشخص بالرضا والإنجاز، ويزيد من ثقته بنفسه، والمربُّون اليوم أحوج ما يكونون إلى غرس الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على الإنجاز في ظل جيل يعاني من الإحباط، وتسبق هواجس الإخفاق تفكيره في أي خطوة يخطوها، أو مشروع يُقدم عليه.
في حين أن النقد واللوم يسهم في تكريس الشعور بالفشل والإحباط ونموه في النفس، ويضيفه صاحبه إلى تجاربه المخفقة.
والثناء وسيلة غير مباشرة لإثارة تطلُّع الآخرين وحماستهم للتأسي بالمُثْنَى عليه والاقتداء به، وإبرازه مثلاً حياً مشاهَداً أمامهم؛ لذا فحين قدم طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم محتاجين للنفقة، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لذلك، فتصدق رجل بصُرَّة كادت يده أن تعجز عنها، فتابع الناس بعد ذلك، حينها قال صلى الله عليه وسلم : «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»(1).
وحتى يؤدي الثناء دوره دون إفراط فلا بد من الاعتدال؛ فالمبالغة فيه تُفقده قيمته، وتشعر من يسمعه بأنه ثناء غير صادق ولا جاد.
وهو مذموم حين يوجه لمن لا يستحقه، أو لمن يُخشى عليه العُجْب والغرور؛ بل يستحق من يطلقه حينئذ أن يُحثى التراب في وجهه، كما قال صلى الله عليه وسلم : «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب»(2).
ولهذا امتنع صلى الله عليه وسلم عن بيان بعض منزلة قريش، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: «لولا أن تبطر قريش لأخبرتهــا بما لها عند الله - عز وجل -.