ظواهر الغلو والتطرف والإرهاب نتيجة تقصيرنا ولابد من وضع برامج وخطط للوقاية والمواجهة ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعاني المجتمعات المعاصرة دون استثناء ظواهر الغلو والتطرّف والإرهاب بمختلف أنواعها وأشكالها. وليس المجتمع السعودي استثناء من ذلك مما يوجب تضافر الجهود لمجابهة تلك الظواهر الخطيرة. لقد ابتليت بلادنا بالفئات الضالة الخبيثة التي قتلت الأبرياء وسفكت الدماء وروّعت الآمنين ودمّرت الممتلكات وكان لابد من الوقوف بكلّ حزم وضراوة للقضاء عليها واستئصالها من جذورها. تحدث لـ «الجزيرة» عدد من الخبراء المختصّين ذوي الرّأي حول آليّة تحقيق مجابهة الأفكار الغالية من غلو وتطرف وإرهاب.
المنهج الفاسد
بدايةً يقول الدكتور إبراهيم بن محمد أبو عباة عضو مجلس الشورى إن الغلو والتطرف ليس جديداً ولا خاصاً بزمن دون زمن أو بلد دون بلد، وقد بدأت ظاهرة الغلو في السنوات الأولى من رسالة الإسلام، وقد حذر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من الغلو فقال: (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (أخرجه أحمد:1/215، والنسائي:268، وابن ماجه:3029)، وكما قال أبو العباس ابن تيمية في بيان هذا الحديث، قوله: إياكم والغلو في الدين «عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال».
وبيّن صفات هؤلاء الخوارج الغلاة وذكر أنهم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، يمرقون مِن الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وفي كل مرة في التاريخ الإسلامي تخرج هذه النبتة الفاسدة وقد ابتليت بلادنا حرسها بهذه الفئة الضالة من أهل الفساد والإفساد فتصدت لهم بلادنا بكل حزم ولكنهم في هذه السنوات الخيرة وجدوا محاضن حاقدة قامت باستقبالهم وتدريبهم ودعمهم ليعودوا إلى بلاد المسلمين يمارسون هوايتهم في القتل، والتخريب، والتفجير، والتدمير، وراح ضحية هذا المنهج الفاسد والفكر الضال فئة من شبابنا انخدعوا بهذا الفكر ومسؤوليتنا أمام الله وأمام وطننا وأمتنا كبيرة في الحفاظ على شبابنا من التأثر بهذا المنزلق الخطير والمسؤولية الأهم تقع على عاتق الأسرة فهي المحضن الأول وعلى الأبوين تقع مسؤولية التربية والرعاية فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيّته ثم تأتي مسؤولية المسجد، والمدرسة، والإعلام، والأمر يتطلب تكوين فريق شرعي أمني إعلامي اجتماعي لدراسة هذه الظاهرة المدمرة ومعرفة أسبابها، ووضع السبل، واقتراح الوسائل الكفيلة بمعالجتها لحماية أبنائنا ووطننا ومجتمعنا.
الإسلام دين الوسطية
ويشير الشيخ سعود بن زيد المانع مدير معهد الدلم العلمي ورئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم ومكتب الدعوة والإرشاد أن دين الإسلام الذي جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - دين وسط بلا جفاء ولا غلو والوسط ما كان عليه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون والصحابة الكرام والتابعون وتابعوهم بإحسان إلى يوم الدين (أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده)، قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وقال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}، وقال عليه الصلاة والسلام: (أماني أخشاكم لله وأتقاكم)، وقال: (فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فالتقصيرعن سنته جفاء بحسب ذلك التقصير والزيادة على سنته غلو وتنطع. والصراط المستقيم والوسطية والاعتدال اتباع سنته.
وذكر الشيخ المانع أن من أسباب الغلو: الجهل بشرع الله عز وجل، وفهم النصوص بغير معناها الصحيح، والاعتداد بالرأي وعدم الرجوع للعلماء، وأخذ العلم من غير مصادره الأصلية، والأخذ من غير العلماء الراسخين الأثبات.
ويقول المانع أن من علاج الغلو والتطرف: التفقه في دين الله - عز وجل -، وأخذ العلم الشرعي عن العلماء الأكابر الموثوقين بعلمهم وعدم الإعتداد بالرأي، والحرص على العناية بالعقيدة الصحيحة وفهم نصوص الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.
وأكّد الشيخ سعود المانع أن للمجتمع والمؤسسات الرسمية والدعوية دور كبير في محاربة هذا الغلو، وهو: تضمين المناهج الدراسية للمرحلتين المتوسطة والثانوية توعية عن هذا الموضوع، ووضع برامج ضمن أنشطة المدارس وأندية الحي والنوادي الصيفية وإحضار محاضرين موثوقين للحديث عن هذا الجانب، وقيام خطباء الجمعة والدعاة بواجبهم بتوعية المجتمع في المساجد والملتقيات ووسائل التواصل الاجتماعي، وقيام وسائل الإعلام بمختلف أنواعها باستضافة من لديه القدرة للحديث عن هذا الجانب، وفتح الصدور لمن لديه شبهة ولا سيما من الشباب والاستماع لكل شبههم ومناقشتهم بهدوء وحلم وشفقة والإجابة على كل ما يبدونه من أسئلة مهما كانت، وتوزيع النشرات والمواد المسموعة والمرئية للعلماء الموثوقين من قبل مكاتب الدعوة والجهات الخيرية، أن تقوم كل أسرة بملاحظة أبنائها واحتوائهم والتعاون على إبعادهم وحمايتهم من هذا الفكر.
بلادنا مستهدفة
ويوضّح الشيخ زياد بن عبدالكريم المشيقح مدير مكتب الإرشاد والتوجيه بوزارة الحرس الوطني بالقصيم لا بد أن نستيقن أن بلادنا مستهدفة من الأعداء بسبب ما تنعم به من عقيدة صافية ومنهج سلفي وسطي، فعلى المجتمع أن يحذر من سموم الأعداء وسهامهم، ومن استغلال ضعاف العقول سلاحاً للقضاء على المسلمين بقصد الإصلاح والجهاد والغيرة على الدين (والله يعلم المفسد من المصلح) يتسترون بالإسلام وهم من قام بتشويه صورة الإسلام وقتل الأبرياء.
فعلينا أن نعي مخاطر العمل الإرهابي لكونه يُنَفِّر الناس من دين الله، فالشر مرفوض وإن كانت هذه الأيادي تنسب نفسها إلى الإسلام.
ومما يجب على المسلمين أن يحرصوا على تعليم أولادهم العلم الشرعي المؤصل بالكتاب والسنة لتحصينهم من الشبهات وتعريفهم بالحقوق الشرعية والمفاهيم الإسلامية فلا يتركوا أولادهم فريسة لقنوات فضائية متربصة ومواقع الكترونية حاقدة.. فالإسلام أنزله الله تعالى ليحقق مصالح الناس الدينية والدنيوية، ومن أعظم مصالح العباد التي جاء الإسلام بحفظها والاعتناء بها الضرورات الخمس وهي (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال) ومن أصول الدين وقواعد الشريعة: أن الدماء والأعراض والحقوق والأموال معصومة معظمة محرمة لا تستباح باجتهاد قاصر، ولا تسفك برأي متحمس، ولا تهدر بحماس متهور.. ومن جهل المجرمين وغيابهم عن العلم الشرعي غرر بهم الأعداء ونسبوا جرائمهم باسم الجهاد في سبيل الله، وهذا من أعظم الكذب واعتداء على الدين والكتاب والسنة وإجماع الفقهاء قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} سورة الإسراء « 33 «، وقال تعالى:
{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} سورة المائدة «32».
لقد حثنا ديننا الإسلامي على الجماعة وحذّرنا من الفرقة كما في قوله تعالى:
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (103) سورة آل عمران.
فالواجب علينا أن نقف يداً واحدة وصفاً واحداً مع ولاة أمرنا في مواجهة كل فكر منحرف، ونبذ إثارة الفتن والاضطرابات وعدم إيقاع العداوة والفرقة بين أفراد المجتمع، كما يجب علينا أن نتعاون مع الجهات الأمنية في كل ما يعزز الأمن ويحقق الأمان، فإذا تخلى المسلم عن مسؤوليته وألقى بالائمة على غيره عندها يدب الفساد ويتسلط الأعداء على العباد والبلاد.