أنونيماس 2 ">
الموسيقى تستلقي كشيخ يحتضر على منحدر الجدار..ارتد على أعقابي متسلحة بمستر غوغل..أشرع في تنقيب الكتروني عن نبرة صوتي.. ربما يحتفظ بنموذج له قبل أن يغادر حنجرتي؟؟..غوغل المهيب يعرب عن أسفه.. لينتهي البحث الى سفوح بيضاء مشوبة باعتذار مهذب..
_أهناك سبيل للبحث سوى غوغل؟؟..كل ما حولي يرتمي حيث ارتضت له عيناي..
و الأصوات تغزلها أذنان لا تتقنان سوى اللغة العربية.._هل بإمكاني العثور على لغة أخرى؟؟.._هل بإمكاني سماع الآخرين؟ منكبان غوغليان يبتعدان، و يصغران أمام ناظري..الأوتاد داخل روحي تتساقط.. و يتهشم الفراغ..لأغاني، و الذكريات تذوب كخيوط من الشمع على شفتي بركان..، تقتل سجادة من خيوط الصوف بزخرفة قروية.. أدور بشوق حول صدى ضحكاتي التي كانت يوما قبل جثة غوغل..
أرفع الستار عن استعراض يومه، و هو ينشر غسيله على كل مكان.. أكرر رغم تنحي غوغل عن مهمة البحث.. و مغادرته الصالة..أيها الشيء الالكتروني المهول.. ايها العارف بأسراري، و اسرار قريتي، ايها المتمكن مني، و من تأريخي، ايها المؤشر العجيب الذي يحط على كل أماكن لامستها رحلتي.. انني ارجو الحضارة فيك، و اناشدها:
هل من حقول قمح؟؟ ، او صورة امرأة تحتطب؟؟، أخرى تحمل جرار الماء؟؟، طفل نصف عار لا يهمه برده من حره؟؟..هل من أب لا يعرف دهاليزك؟؟، فالفضاء الافتراضي يبدي امتعاضه من سيماء لغتي العربية..
يجيب دونما اكتراث:
_لم يتم العثور على الرابط الذي طلبته، ربما كان منتهي الصلاحية..
ما زال يشتت ذاكرتي.. يعيدني الى زحام اللوحات.. بصمتها، و صراخها، و اهازيجها..بين لوحة و أخرى تتداخل الأيام
وجسدي، تتناثر جيف جثث متعفنة لزوار سبقوني في ضياعهم، تجاهلوني كما فعلت دون خيار مني او منهم، و أغفلوني كما أغفلتهم قبل أن نجد الوقت لنسأل: لماذا؟؟؟..
أخربش على الجدار المخصص للتعليق يائسة، أمضغ مرارة وحدتي سلية لا أملك إلاها.. شيء من الأمل يدعوني لكتابة اسطر مضطربة: _أنا ماجدة، من قلعة سكر، في جنوب العراق ، أرجو ممن يلتحق بي من أهلي أن يوصل رسالتي لمن بعده..أنا ضائعة في مكان يزهو بفخامة القصور، أراني في كل الاتجاهات التمع على مرايا لا حصر لها كقطعة ماس تركت في علبة لحين استخدامها.. أنتحب كطفل في سوق مزدحم ، رغم اني من مواليد عام 1964.. أظنني في العام 2015.. لازلت امتلك بعض الثقة لأجزم انني في هذا العام لا غيره..
أشعر ان لا صلة لي باللوحات.. و لا لون فيها بإمكانه ان يحل محل نبضات قلبي.. لم يطرق سمعي أي صوت.. بل صوتي نفسه ذاب بين حبال البلعوم كحلم تائه في صحرائه بقطرة ماء تتشكل عند أفق اليأس.. في يدي كأس موت، و رعشة ارتشاف تستحوذ علي.. و إن كنت أستطيع التنفس جيدا حتى الآن..
أجهل موقعي على خارطة العالم، فالداتا تتراقص امام عيني، و ليس سوى مستر غوغل من يعرف فك الغازها.. يبدو عليه الكرم، و سعة الصدر.. لكنه ببساطة لا يرسم لي دربا قد تخرجني من ضياعي.. و تعيدني الى قلعة سكر..
لابد أن أعترف ان أعمدة المعرض الرخامية الهائلة لم تثر في سوى مشاعر غربة، لم توكل لها مهمة اسعادي، او العناية بي بأي شكل من الاشكال، فأنا محض داتا امام عينين خبيرتين، تجسان وريد الماضي، و شريان المستقبل، و تعبثان بتوزيعهما على خلايا جسدي..
اللوحات بمخملها المترف لم تقايضني بسعادة تشبه تلك التي عرفتها في سبخة (ابو درابي) ، و الألوان مع براعة توزيعها ليست بأجمل من فسيفساء (كاع إضْحَيجة) التي تزهر، و تعشب، و تكشف عن الفطر بعد المطر..ربما هناك لوحة في هذا المعرض الفسيح تمثلني.. لكنها لا تنتمي لي.. طالما أنا نفسي لم أفلح بالعثور عليها..بودي ان اقول شيئا اخيرا أيها الكون المغوغل، و هو لك وحدك، و كل رغبة لي: ـ إن السباحة في (الكَرمة) هي كل ما أحتاج اليه الآن.. بعدها ربما سينجلي ضباب غربتي،
واغترابي..
- ماجدة الغضبان