الجزيرة - المحليات:
أعلن صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس أمناء مؤسسات الوليد للإنسانية، أمس الأربعاء عن تعهده بأن يهب ثروته للأعمال الخيرية والإنسانية بمبلغ قدره 120 مليار ريال سعودي (32 مليار دولار) حسب الخطة المدروسة للأعوام القادمة. وستكون هذه الهبة كما أوضح سموه: «لبناء عالمٍ أفضل، يسوده التسامح، وقبول الآخر، والمساواة، وتوفير الفرص للجميع». وأكد سموه أن هذا التعهد هو «تعهد بدون أية قيود أو حدود... تعهد للإنسانية كافة».
وقال الأمير الوليد في خطاب إعلان الهبة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد:
فقد دار في ذهني منذ فترة شبابي حلمٌ كنت أسعى لتحقيقه، راودني في الكثير من المواقف، وقد صرحت به لبعض المقرّبين لدي منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، إذ تمنيت أن أساهم بكل ما أستطيع للقضاء على قلة ذات اليد في المجتمع المحلي والدولي، فلا يبقى من يشتكي من الفقر أو يعاني من ويلاته، أو على الأقل أساهم في الحد من عدد المحتاجين، فأُصْبِحَ وأرى أغلب الناس وهم لا يحتاجون إلى المساعدة على الأقل في متطلبات الحياة الأساسية.
فتح الله لي من الخير الوفير في بلاد الخير، المملكة العربية السعودية، ما لا أقدر على الوفاء بشكره، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} (18 النحل) من أجل ذلك كان شعاري في الحياة دائماً قول الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (7 إبراهيم).
«ومن منطلق حرصي وشغفي بالعمل الإنساني وهو ما عهدتموه مني منذ 35 عاماً دون انقطاع فإنني أتعهد بأن أهب كل ما أملك لمؤسسة الوليد للإنسانية في كل مجالاتها: دعم المجتمع، القضاء على الفقر وتمكين المرأة والشباب، مد يد العون عند حدوث الكوارث الطبيعية وبناء جسور بين الثقافات. وستفعل هذه الهبة على مراحل وحسب خطة مدروسة للأعوام القادمة وإستراتيجية يشرف عليها مجلس نظراء لضمان استمرارية تفعيل أموالي بعد وفاتي ولضمان إيصالها لمشاريع ومبادرات تهدف لخدمة الإنسانية».
لهذا أعلن اليوم عن رغبتي هبة كل ما رزقني الله من أموال وهو القائل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} (53 النحل)، وتسخيرها لتحقيق تلك الغاية؛ فإنما أسعى إلى الوصول لذلك الهدف النبيل الذي طالما حلمت به، وهذا من التحدث بنعمة الله عليّ، وقد جعلت شعاري دائماً {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (11 الضحى).
هذا الرزق قد جاءني من الله تعالى في هذه البلاد المباركة، لذا فإن لها الأولوية في أن يبذل أغلبه فيها وفي أهلها، وسيمتد العطاء لخارجها بحسب الأنظمة واللوائح التي تنظِّم هذا العمل الإنساني، والذي نبتغي به وجه الله تعالى والدار الآخرة {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (20 المزمل).
من حق كل شخص أن يتساءل: لماذا يفعل الوليد ذلك؟
فأقول: كل إنسان يمر في حياته بمنعطفات ومواقف لا بد وأن يكون لها تأثير في القرارات التي يتخذها خصوصاً المصيرية منها، وأنا من فضل الله عليّ قد أتيح لي ما لم يُتح لغيري من الاطلاع على أحوال كثير من الشعوب والوقوف على ما يعانونه من شدة الحاجة من خلال جولاتي المحلية والإقليمية والعالمية ولقاءاتي المتعدِّدة مع قيادات الدول والمجتمعات، وقربي من أغلب مراكز الدعم الإنساني في العالم، بالإضافة إلى البرامج الإنسانية التي تدعمها مؤسسة الوليد للإنسانية.
ونظراً للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي لا تخفى وما تخلفه الحروب والكوارث الطبيعية في المجتمعات من آثار سلبية على الأنفس والأموال في البلاد، مما يتطلب تكاتف جهود كل المقتدرين للوقوف مع الشعوب لتنهض بمجتمعاتها وتبني أوطانها في شتى المجالات المادية والمعنوية، فقد أمرنا رسولنا الكريم بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام «من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، وذكر أصنافاً من المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منّا في فضل» رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
لذا فإني أرى أنه قد حان الوقت لأشارك بكل ما أستطيع في دعم المجتمعات عن طريق مؤسستي (الوليد للإنسانية) والتي بدورها تعمل على إطلاق المشاريع ودعمها في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو الجنس، فمنذ 35 عاماً ونحن نتعاون مع مجموعة كبيرة من المؤسسات التعليمية، والحكومية، والإنسانية في أكثر من 92 دولة حول العالم من أجل محاربة الفقر، وتمكين المرأة والشباب، إضافة إلى تنمية المجتمعات ومد يد العون عند الكوارث، كما لا ننسى بناء جسور التفاهم بين الثقافات من خلال التوعية والتعليم. فبفضل عملنا معاً سنرتقي إلى عالمٍ ملؤه التسامح والعطف والتآلف. وذلك لرفعة شأن المجتمعات الإنسانية وتطويرها بالأسلوب الأمثل للرقي بها إلى المستويات المنشودة، نسأل الله أن يوفّقنا والعاملين لتحقيق ما نصبو إليه من خير للإنسانية وأن يجعل ذلك في موازين حسناتنا. وصلى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.