عبدالعزيز محمد الروضان ">
تعيش الساحة العربية اليوم أزمة الدراما الجيدة الهادفة، ولعل من أهم الأسباب الجوهرية لتردي الدراما العربية ولبسها هذا الثوب المهلهل، أنها كانت دراما تجارية همَّها المداخيل المالية فحسب، فكانت الدراما العربية بيد من كان معه عنصر المال ليس إلا، وتكمن خطورة هذا المسلك في إبعاد الجيد أحياناً وتقريب الرديء أحيانا أخرى سواء نصوصاً أو أشخاصاً.
إن المتضلعين في جانب الدراما بنوعيها أحياناً تعوزهم المادة كي يُظهروا ما عندهم من مواهب جيدة مصقولة في ساحة الدراما العربية، وساحتنا العربية مملوءة من هؤلاء الذين يملكون الموهبة لكن غابوا لغياب التمويل المالي، فحُرم المشاهد العربي من رؤية هؤلاء!! إن الدراما العربية أصبحت اليوم في مهب الريح لأن كل الذين أتوا لهذا المجال همَّهم الوحيد التقاط الصور هنا وهناك، والاستفادة من التقنية الجيدة بغض النظر عمّا يقوم به هذا الممثل أو ذاك من تمثيل نص هادف ومضمون متين.. فأصبحت الدراما العربية من هذا المنطلق عرض وجوه من كلا الجنسين وما سوى ذلك لا يوجد.
إن أي ممثل يصب اهتمامه على فلاش الكاميرات وحسب، ولا يعبأ بما يحمله هذا النص المقدم من مضامين وأهداف هو ممثل ساقط في حفرة النسيان. فالممثل الجيد الذي يجب أن نشير إليه بالبنان هو ذلك الممثل أو هو ذلك الشخص الذي ينسى أن الكاميرات تحيط به من كل جانب، فيقوم بالتمثيل على السجية العادية بدون تكلف، ومثل هذا الممثل أو ذاك هو الذي سيقدم لنا مضامين نص تمثيلي يستحق أن يتسمر المشاهد حوله. فيما إن انشغال المشاهد بالمساحيق التي على وجوه الممثلين والبهرجة التجميلية ونسيان المضمون سريعاً ما ينطفئ العمل الدرامي ساعة انقضائه وأنه لم يقدم للمشاهد أي انطباع أو فائدة تجنى من وراء هذا النص التمثيلي، لأن المشاهد سلّط اهتمامه على وجه الممثل غاضاً الطرف عن مضامين العمل، وشيء آخر اهتمت الدراما العربية به ألا وهو أن الأعمال التي تقدم للمشاهد العربي تُعمل في بيئات يظهر عليها الترف والفخامة كالقصور والسيارات الفارهة والإكسسوارات، وهذه الأشياء مجتمعة أو منفردة صوارف تصرف المشاهد عن لب النص ومضامينه التي يهدف من ورائها. وبالمناسبة فإنَّ كلمة الدراما في لغتها الأم قُصِد من ورائها تغيير طريقة حياة البشر أو المشاهد الذي يُعرض عليه العمل الدرامي، ونقله من أسلوب لا يحبذ إلى أسلوب مشوق جميل.. لكن الدراما العربية اليوم تفتقر إلى مثل هذا الأسلوب وما هي اليوم إلا صراخ في صراخ وضجيج فارغ لا طائل تحته!! ومما يعاب على الدراما العربية اليوم أنها دائما تكرس عملها في الجانب التراجيدي المأساوي الممتلئ بالأحداث السيئة المتتابعة التي تجعل المشاهد في حالة حزن دائم وقلق مستمر. بينما يجب على الدراما العربية اليوم أن تتمحور في أعمالها الدرامية في إيجاد أشخاص قدوات يحتذى بهم، فيحاكي المشاهد تصرفات هذا الممثل أو ذاك دون أن يشعر.
إننا في الدراما العربية لم نشهد يوماً انها قدمت لنا نموذجاً لأسرة سعيدة تعيش عيشة هانئة ملتزماً أفرادها بالفضيلة ومن ثم يتقفى المشاهد آثار هذه الأسرة.. بل قصارى ما نشاهده أسراً متفككة اجتماعياً غارقاً بعض أفرادها في معاقرة الذنوب وما من نشاز إلا وركبت صهوته!! إذا كنت قد تجاوزت في جلد ذات الدراما العربية في هذا الأسلوب القاسي فهو لأني لا أجد فيها فائدة تُرجى، وما هي إلا عبء على وقت المشاهد. بينما المشاهد العربي يتطلع اليوم بل وفي الغد إلى دراما عربية تحاول أن تصطف مع الدراما العالمية التي دائما تتمحور أهدافها حول تعليم المشاهد على حب نزعة الخير والبعد عن نزعة الشر.. وأي دراما في الوجود لا تهدف إلى ذاك فهي دراما لا جدوى من ورائها. فالدراما من أوسع معانيها أن تبشّر بالفضيلة وتنأى عن الرذيلة، هذه أهداف أي دراما تحت قبة أي سماء وفوق أديم أي أرض والله ولي التوفيق.