م. محمد سرداح الخالدي ">
تشكل الدول التي تمتلك التكنولوجيا ثقلا في توازن الدول ولها من الهيبة التي تجعلها تفرض احترامها للغير في حال اهتمت بشعوبها وحافظت على كرامة الإنسانية، فتكون بذلك وجهة العلماء والمفكرين والمبدعين. نستعرض في هذا المقال نوعاً من أنواع التكنولوجيا ونرى كيف مكن بعض العلماء علم بلادهم من الرسوخ في رواسي الحروب التي اذا هاجت لا تترك الأخضر ولا اليابس.
الطاقة النووية هي الطاقة التي يتم توليدها عن طريق التحكم في تفاعلات انشطار أو اندماج الأنووية الذرية، فهي واحدة من هذه الطفرات العلمية التي ظهر صداها من ثلاثينيات القرن الماضي وتسببت في تغيير معالم التاريخ وتكوين الحضارات بغض النظر عن سلميتها واستخدامها، لكنها كان لها الأثر الكبير في فرض سيادات الدول.
تستخدم الطاقة النووية في محطات توليد الكهرباء، لإنتاج بخار الماء والذي يستخدم بعد ذلك لإنتاج الكهرباء. حيث في عام 2009، كانت نسبة الكهرباء المنتجة من الطاقة النووية حوالي 14 % من إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة في العالم كما تعمل الآن أكثر من 150 غوّاصة بالطاقة النووية. أما السلاح النووي الذي يعتمد على القنبلة النووية أو الهيدروجينية فهو سلاح تدميري فتاك يبيد مدينة بأكملها خلال لحظات وتصل درجة حرارة كرة اللهب فيه إلى 300 ألف درجة مئوية.
فما هو سر هذه الطاقة؟
للاجابة على هذا السؤال دعونا نتعرف على الذرة قبل معرفة المزيد عن الطاقة النووية. ان تفسير بنية الذرة التي لم تر بأدق المجاهير في العالم تعود لتجارب العالم رزرفورد 1911. الذي اثبت تركيب الذرة من خلال تجاربه المخبرية وبنى تصورها كنواة تدور حولها إلكترونات.
إن أي مادة في هذا العالم تتكون من ذرات، وكل ذرة تتكون من نواة وإلكترونات، والنواة تحتوي على بروتونات ونيوترونات، وأيضاً لاحقا تم تفسير بعض الظواهر الفيزيائية الأخرى بأن هناك أجساماً أصغر من ذلك مثل الكوارك داخل هذه الجسيمات. فالبروتونات اعطيت نظرياً شحنات موجبة وهي مجمعة في شكل كروي وتدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة. حركة الإلكترونات حول النواة تشبه حركة الكواكب حول الشمس وتشبه المساحة الشاسعة في تلك المدارات، فالجسيمات داخل النواة متجمعة معا مع ان البروتونات كما ذكرنا تحمل نفس الشحنة، أما الجسيمات الأخرى (النيوترونات) فهي متعادلة الشحنة. فالسؤال هو كيف تبقى هذه الجسيمات (البروتونات) قريبة من بعض وهي في حالة تنافر؟ هذا السؤال الذي قاد العلماء لاكتشاف القنبلة النووية واكتشاف ان هناك قوى خارقة تجمع الجسيمات ذات الشحنة المتشابهة، وربما يستطيعون أن يشطروا الذرة ويخرجوا هذه القوى النووية.
إن عدد البروتونات داخل النواة يشكل العدد الذري كما في الجدول الدوري الذي يكتب عادة فوق رمز العنصر، فمثلاً بالنسبة لعنصر اليورانيوم (U) يكون العدد الذري اي عدد البروتونات (92) أما الوزن الذري الذي يجمع البروتونات والنيوترونات هو (235).
ان عدد الالكترونات عادة يكون مساوياً لعدد البروتونات، وبذلك تكون الذرة مستقرة أما اذا زادت عدد البروتونات عن عدد الالكترونات فإن الذرة تصبح موجبة الشحنة والعكس صحيح، فعندها تصبح الذرة غير مستقرة، وهذا هو سر التفاعلات بين الذرات للمواد المختلفة لاختلاف الشحنات. وتتكون ايضا النظائر للذرات المختلفة من خلال تغير الكتل للذرات. وعند استخدام الاختصارات فإنه يتم وضع رقم النوكليونات (البروتونات والنيوترونات) أعلى رمز العنصر مثل (3He, 12C, 14C, 57Fe, 238U).
اليورانيوم والثوريوم هما العنصران الوحيدان في الطبيعة التي يمكن أن تنتج طاقة نووية. يحتوي اليورانيوم الطبيعي على ذرات ذات كتلات مختلفة (النظائر) وتتكون أغلبها من العنصرين اليورانيوم (238) واليورانيوم (235). والنسب الموجودة طبيعيا كما يلي:
- اليورانيوم 238: 99.3 %
- اليورانيوم 235 :0.7 %
- النظائر الأخرى : 0.01 %
إن عملية تخصيب اليورانيوم الخفيفة تتضمن رفع هذه النسبة يورانيوم 235 لتصبح 0.9 % إلى 2 % أو أكثر، ويتميز اليورانيوم 235 بأنه قابل للانشطار مع انتاج تلك الطاقة الكبيرة. ان نسبة اليورانيوم 235 التي تصل إلى حوالي 5% تسمح بتشغيل مفاعل نووي يستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية. أما صناعة السلاح النووي فإنه يتطلب رفع نسبة تخصيب اليورانيوم 235 إلى نسبة 90%.
إن عملية انتاج اليورانيوم المخصب تنتج يورانيوم ثانوياً يطلق عليه اسم (يورانيوم مستنفد) أو (منضب) وهو يتم التخلص منه بطرق مختلفة بعضها غير شرعي مثل بيعها للدول الفقيرة لدفنها في بلدانهم مقابل مبالغ مادية كما حصل في سوريا في الثمانينات أو التخلص منها بوضعها ببراميل ورميها في قاع البحار فينتج عنه نفوق الاسماك والحيتان أو حتى استخدامها في الحروب كما حصل في حرب كوسوفو وفي حربي الخليج الأولى والثانية حيث استخدم اليورانيوم المنضب كسلاح فتاك يقوم بشطر الدبابة كما تشطر السكين الزبدة، مما يشكل ايضاً غباراً ذرياً يبقى في المكان ملايين السنين ويبقى أثره على الحياة البشرية والحيوانية بالامراض المختلفة والسرطانات الجلدية.
إن انفجار قنبلة نووية صغيرة يعطي قوة تدميرية أكبر بكثير من قوة انفجار أضخم القنابل التقليدية، فمثلاً القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي 15 كيلو طن تقريباً أي ما يعادل 15000 كيلوجرام من مادة TNT، حيث تسببت في قتل 140,000 إنسان لحظة انفجارها فضلاً عن التبعات بعد ذلك لسنين.
لذا تعتبر الأسلحة النووية أسلحة دمار شامل ويخضع تصنيعها واستعمالها إلى ضوابط دولية حرجة ويمثل السعي نحو امتلاكها هدفاً تسعى إليه كثير من الدول. فبعد الضربة النووية الأولى في الحروب العالمية الثانية على هيروشيما وناجازاكي وحتى وقتنا الحاضر؛ وقع ما يقارب 2000 انفجار نووي كانت بمجملها انفجارات تجريبية واختبارات قامت بها الدول السبع التي أعلنت عن امتلاكها لأسلحة نووية وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين وباكستان والهند.
هناك عدد من الدول التي قد تكون تمتلك أسلحة نووية ولكنها لم تجربها مثل إسرائيل وكوريا الشمالية وأوكرانيا، أما إيران فايضا من الدول التي اعلنت عن بناء مفاعلات لتخصيب اليورانيوم.
في ظل الانفتاح الاعلامي والتقني فان أي دولة لها مكانتها بين الدول تستطيع الحصول على هذه التكنولوجيا اذا ارادت بامكاناتها وبقدراتها لان المعرفة موجودة والتكنولوجيا يمكن الحصول عليها أو حتى تصنيعها، ولكن حبذا لو تكرس اهتمام الدول في تبادل الخبرات لتوفير الطاقة السلمية التي لا تنضب لتكون في خدمة الانسان والسلام العالمي الذي أمرنا به الله عز وجل في سورة المائدة {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقال أيضاً: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.