جواهر العبد العال ">
البشر يألفون عادة أرضهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحشًا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتقص شيئاً من قيمه الإسلامية والإيمانية.
فحبنا لهذا الوطن الغالي وانتماؤنا إلى أرضه الطاهرة المباركة التي انطلقت منها الرسالة المحمدية مرسلة بالنور والهداية إلى أرجاء المعمورة، انطلقت منها كذلك وتكونت بها أول وحدة عربية قوية ونادرة في زمن الفرقة والتجزئة، هذه الوحدة التي أرسى قواعدها وجمع أركانها الملك المؤسس عبد العزيز - يرحمه الله - باتت قوة وطنية متماسكة بفضل من الله سبحانه وتعالى لا يمكن اختراقها بل وأصبحت بيت العرب الأول الذي يلجأ إليه إخواننا للمشورة والمساعدة. لذا يجب علينا أن نسجل جميعاً كمواطنين فخرنا واعتزازنا بالمنجزات الحضارية الفريدة والشواهد الكبيرة التي أرست قاعدة متينة لحاضر زاهر وغدٍ مشرقٍ في وطن تتواصل فيه مسيرة الخير والنماء، وتتجسد فيه معاني الوفاء لقادة أخلصوا لشعبهم وتفانوا في رفع راية التوحيد، ورفعة وطنهم وخدمته حتى أصبح له مكانة كبيرة بين الأمم ولا بد أن نواجه أنفسنا بالسؤال الأهم: (إلى أي مدى نحن نحب الوطن الحب الحقيقي الذي يستحقه ويجب أن نهبه له؟) فحب الوطن هو انتماء حقيقي يتجلى في العمل على رفعته وتقدمه بإخلاص وتفانٍ وبذلٍ وعطاء.
ومن هنا نجد أن للوطن معاني كبيرة وأحاسيس مختلفة وشعوراً بالانتماء وتضحية منقطعة النظير... الوطن شعور بالمسئولية ورغبة في النجاح، وعطاء بلا انتظار، فعندما يكتب أو ينشر الإعلام فإنه يكتب لغرض إرضاء الله سبحانه وتعالى ثم مصلحة الوطن، وهذا ينطبق على الجميع في كل القطاعات وفي كل المحافل التي تخضع للمنطق نفسه، وبهذا يسود في المجتمع الانتماء الحقيقي للوطن. ومن هذا المنطلق يجب علينا أن نزرع في نفوس أطفالنا حب الوطن ابتداء من البيت وبعد دخولهم المدرسة واستمرار ذلك في جميع المراحل التعليمية بما يتناسب والمرحلة العمرية للطالب والطالبة، فتعزيز قيم الانتماء الوطني هو مطلب أساسي وضرورة ملحة، لذا لا بد أن توليها المؤسسات التعليمية والتربوية اهتمامًا فائقاً ويجب تكريس الجهود إلى غرس مفاهيم الانتماء والقيم الوطنية الأصيلة في أذهان الجيل الجديد فبناء الأجيال يسهم إيجاباً في استقرار الوطن وفي مواجهة التحديات، ولا يخفى أن التعليم منبع لغرس كافة القيم النبيلة وتعزيز روح التفاهم والحوار، وإبعادهم عن كل مظاهر العنف والتطرف حيث إن الانحراف والسير في هذا المسلك هو مخالفة شرعية صريحة.
إن المملكة العربية السعودية ولله الحمد والمنّة تعتز بلحمتها الوطنية النابعة من الدين الإسلامي الحنيف وقد أثبت المواطن أنه المميز بمواطنته الحقيقة في حبه لدينه ولقادته ووطنه فحب الوطن من الإيمان، لذا حري بنا أن نفخر بالانجازات والمكتسبات الحضارية التي حصلت منذ التأسيس وإلى عهد قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله ويرعاه.
إن الله فطر الإنسان على حب الوطن الذي وُلد فيه، وتعلم في مدارسه، وعمل في مؤسساته، وأكل من خيراته، وشرب من مائه، ونشأ على أرضه، واستظل بسمائه، وارتبط به طفلاً وشاباً وشيخاً،. ولا شك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبل الإنسان عليها، فليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وشب على ثراه، وترعرع بين جنابته. كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليل على قوة الارتباط وصدق الانتماء للوطن.
وحتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لا بُد أن يتحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً، ثم الوطن، إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث الإنسان على حب الوطن؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودّعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبكِ من بلد، وأحبكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ». رواه الترمذي (الحديث رقم 3926، ص 880). ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية، وقدوة المسلمين الحسنة يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظاً تعشقه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر الصادقة.
وإذا كان الإنسان يتأثّر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوّة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأُخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب؛ وفاءً وحباً منه لوطنه.
إن الانتماء للوطن يقتضي الحفاظ عليه وعلى مكتسباته ومنجزاته وصورته الحضارية، فالانتماء الحقيقي ليس شعارات ترفع أو سلوكيات نمارسها لا ترضي الله، بل هو عقيدة راسخة في النفس والوجدان تدفع المرء إلى التضحية من أجل الوطن وعقيدته.
إن الاجتهاد في العمل، والتطوع في الأنشطة والفعاليات المختلفة التي تظهر الوجه الحضاري للدولة، فضلاً عن استثمار تكنولوجيا الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن حب الوطن، كل هذا يبرز دور الإعلام قوياً بتعريف العالم بما وصلنا إليه من تقدم ورقي وازدهار بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله ويرعاه والذي يستكمل مسيرة النهضة التي أرسى قواعدها الملك المؤسس عبد العزيز ومن بعده أبناؤه البررة المخلصين - يرحمهم الله - قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل125
ومن هذا المنطلق نجد أن المملكة العربية السعودية تقيم اليوم الوطني في كل عام والهدف منه إحياء الحس الوطني، وتعزيز قيم الانتماء للوطن والتذكير بما فعله الآباء والأجداد من كفاح وجهود عظيمة وتضحيات جسيمة حيث كان لهم الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في الحفاظ عليه وعلى أمنه واستقراره ورفع رايته خفاقة، لننعم بما نحن فيه اليوم من خير وأمن, وأمان، لذا فإن مسؤولية الأمن هي مسؤولية الجميع وبالتفاف المجتمع مع قيادته الحكيمة، وعليه فإن النسيج الواحد والاعتصام المجتمعي بحبل الله في وطننا وطن العقيدة الصحيحة وطن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة قادر على مواجهة كل التحديات. وهنا يبرز دور الإعلام في دعم الانتماء للوطن بشتى وسائله المقروءة ورقياً وإلكترونيًا والمسموعة والمرئية وترتيب القنوات الإعلامية في تأثيرها على اتجاهات المواطنين واستثمار ذلك في خدمة واستقرار المجتمع سياسياً واجتماعيًا.
وتكمن أهمية الإعلامِ الذي هو ضمير الأُمة، والمتحدث باسمِ المجتمعِ الذي يَنقل همومه، وَيَعكِس طموحاتِهِ ومتطلباتِه، ويقف إِلى جانبِه مستعينًا باللغة الفصحى البليغَة الواقِعِية، والقادر عَلى غزو القلوب وأَسر العقولِ مستضيئًا بأَحدث منجزات العلومِ الإنسانية من تَربية وأَخلاق وعلمِ نفسٍ واجتماع وغَيرِها، في أَن يكون تصديقًا للدور الإِعلامِي كما ذكر في القرآنِ الكريم عن طريق بيان أن القرآن هو أعظم وسيلة إعلامية عرفها تاريخ الإنسانية، والتي تمثلت في تحديد مهمة الرسل جميعاً، وهي القيام بالبيان والبلاغ، والتزام الرسل بأداء الرسالة الإعلامية الربانية كما هي بدون زيادة أو نقصان، كما يتضح لنا أن الإعلام القرآني إعلام شامل يحرك ويؤثر في جميع مجالات الحياة الإنسانية. بعيداً عن تضخيم صغائر الأمور وإعطائها أكبر من حجمها ومن هنا ندرك أن كل شخص له نظرة مختلفة للعالم من حوله. والذكي هو من يواجه المواقف بألا يعطي الأمور أكبر من حجمها فقد لا تستحق كل هذا التضخيم وهنا يتبادر إلى ذهني قول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
ومن هذا المنطلق يعد الإعلام اليوم أحد الأعمدة الرئيسة مثل الثقافية والاقتصادية والسياسية باعتباره من أهم الوسائل للبحث عن الحقيقة وإيضاحها وإبرازها، والجميع يتجه إليها في الوقت الحالي على مختلف المستويات، من أجل إبراز ما لديهم من أنشطة وأعمال، ولهذا فهو يحوي عدة شرائح إعلامية، إلى جانب ذلك فإن الإعلام الآن يأخذ حيزاً كبيراً جداً من حياة المواطن العربي واهتماماته، ولم يعد الإعلام المحلي هو الذي يتحكم في إيصال المعلومة إليه، بل أصبح الإعلام العالمي بوسائله الحديثة وقنواته المختلفة يشكل أداة فعالة في توجيه الشعوب وتوجيه السياسات وسيادة الحروب، خاصة خلال هذه الفترة المهمة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية.
ونحمد الله سبحانه وتعالى أننا في ظل وطن نتفأ ظلاله وننعم بأمنه واستقراره وبقيادته الحكيمة ومعطياته ومكتسباته الحضارية... حفظ الله لنا قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - أيدهم الله بنصرة وتوفيقه.
عضو مجلس الإدارة رئيسة المركز الإعلامي - بالمؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية