د. أحمد بادويلان ">
طرق الباب طارق، ورجل مسكين يجلس متصدراً المجلس الذي يخلو إلا منه، ونادى من يفتح الباب وحضر ابنه الشاب الذي لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره. وعندما فتح الباب اندفع رجل من دون سلام ولا كلام ولا احترام، وتوجه نحو الشايب وأمسك بتلابيبه وقال له: اتق الله وسدد ما عليك من الديون، فقد صبرت عليك أكثر من اللازم ونفد صبري، ماذا تراني فاعل بك يا رجل؟ وهنا تدخل الشاب ودمعه في عينيه وهو يرى والده في هذا الموقف، وقال للرجل: كم على والدي لك من الديون؟ فقال الرجل أكثر من تسعين ألف ريال. فقال للرجل: اترك والدي واسترح وأبشر بالخير.
ودخل الشاب إلى المنزل وتوجه إلى غرفته حيث كان قد جمع مبلغاً من المال قدره سبعة وعشرون ألف ريال من رواتبه التي يستلمها من وظيفته، والذي جمعه ليوم زواجه الذي ينتظره بفارغ الصبر، ولكنه آثر أن يفك به ضائقة والده ودينه على أن يبقيه في دولاب ملابسه.
ودخل إلى المجلس وقال للرجل هذه دفعة من دين الوالد قدرها 27 ألف ريال وسوف يأتي الخير ونسدد لك الباقي في القريب العاجل.
هنا بكى الشيخ بكاءً شديداً وطلب من الرجل أن يعيد المبلغ إلى ابنه، فهو محتاج له ولا ذنب له في ذلك. ورفض صاحب الدين إعادة المبلغ مع إصرار الشاب على أن يأخذ الرجل المبلغ. وودعه عند الباب طالباً منه عدم التعرض لوالده وأن يطالبه هو شخصياً بما على والده، وأغلق الباب وراءه.. وتقدم الشاب إلى والده وقبَّل جبينه وقال: يا والدي قدرك أكبر من ذلك المبلغ وكل شيء ملحوق عليه إذا أمد الله في عمرنا ومتعنا بالصحة والعافية. فأنا لم أستطع أن أتحمل ذلك الموقف، ولو كنت أملك كل ما عليك من دين لدفعته له ولا أرى دمعة تسقط من عينك على لحيتك الطاهرة. وهنا احتضن الشيخ ابنه وأجهش بالبكاء وأخذ يُقبِّله ويقول الله يرضى عليك يا ابني ويوقفك ويحقق لك طموحاتك.
في اليوم التالي وبينما كان الابن منهمكاً في أداء عمله الوظيفي، إذ زاره أحد الأصدقاء الذين لم يرهم منذ فترة، وبعد سلام وعتاب وسؤال عن الحال قال له ذلك الصديق الزائر: يا أخي أمس كنت مع أحد كبار رجال الأعمال وطلب مني أن أبحث له عن رجل مخلص وأمين وذي أخلاق عالية ولديه طموح وقدرة على إدارة العمل بنجاح، وأنا لم أجد شخصاً أعرفه تنطبق عليه هذه الصفات إلا أنت، فما رأيك في استلام العمل وتقديم استقالتك فوراً ونذهب لمقابلة الرجل هذا المساء؟.
فتهلل وجه الابن بالبشرى وقال إنها دعوة والدي وقد أجابها الله، فحمد الله كثيراً على أفضاله، وفي المساء كان الموعد المرتقب بين رجل الأعمال والابن. فما أن شاهده الرجل حتى شعر بارتياح شديد تجاهه، وقال: هذا الرجل الذي أبحث عنه.. فسأله كم راتبك؟ فقال: 4970 ريال، وهناك قال له رجل الأعمال: اذهب صباح الغذ وقدم استقالتك وراتبك 15000 ريال وعمولة من الأرباح 10% وبدل سكن ثلاثة رواتب وسيارة أحدث طراز وراتب ستة أشهر تصرف فوراً لك لتحسين أوضاعك. وما أن سمع الابن ذلك حتى بكى بكاء شديداً وهو يقول: ابشر بالخير يا والدي. وهنا سأله رجل الأعمال عن سبب بكائه، فحدثه بما حصل له قبل يومين، فأمر رجل الأعمال فوراً بتسديد ديون والده.
وكانت محصلة أرباحه من العام الأول لا تقل عن نصف مليون ريال، إنه ثمرة طيبة لعدم اليأس وبر الوالدين وفك ضائقة المسلمين وسداد ديونهم. وهنا أنصح جميع إخواني وأحبائي أن يخلصوا النية في سداد الديون وسوف يعينهم الله على قضائها. وأنصح ببر وطاعة الوالدين وصلة الرحم، فإن ذلك من أسباب زيادة الرزق وطول العمر.
وفقني الله وإياكم لطاعته، فلا تيأسوا من رحمة الله والجأوا إليه فإنه قريب مجيب دعوة الداعي إذا دعاه.