برامج التواصل الاجتماعي هل أسهمت في هجرنا لقراءة القرآن الكريم؟! ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
في ظل المتغيرات الحديثة، ومع تطور وسائل الإعلام والاتصال نجد عزوفاً من أبناء المسلمين في قراءة القرآن الكريم وتدبّره، حيث إن البعض لا يستطيع قراءة عشر آيات يومياً، لكنه يستطيع قراءة محادثات عبر برامج التواصل الاجتماعي في اليوم بحجة ليس لديه وقت لقراءة القرآن.
ولا شك أن الواجب على المسلم أن يسعى إلى تلاوة القرآن الكريم وأن يفهم ما جاء فيه من أوامر ونواه وغير ذلك ففهمه هو المقصود الأول من تنزيله وليس مجرد قراءته.
عدد من العاملين في الجمعيات والمراكز القرآنية تحدثوا لـ «الجزيرة» حول هجران المصحف من قبل أبناء الأمة، وأثر ذلك، والسبل الصحيحة لتوجيه وتذكير الناس بالإقبال على كتاب الله والمداومة عليه.. وفيما يلي تفاصيل ذلك.
هجر القرآن
استهل المهندس عبد العزيز بن عبد الله حنفي رئيس جمعية «خيركم» بجدة حديثه بقول الله تعالى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30 سورة الفرقان).
أنزل الله تعالى هذا القرآن الكريم على أمين الأرض - صلوات ربي وسلامه عليه - قال تعالى {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأمين. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (192 سورة الشعراء)، هدى البشرية إلى الصراط المستقيم، وهو يعلم كل ما يحتاجونه في شتى شؤونهم، حكيم بما يصلحهم في كل حين وآن، وكتاب الله فيه السعادة والشفاء لا تمل منه النفوس ولا تنقضي عجائبه، آية ظاهرة وحجة قاطعة في استمراره وحفظه وإعجازه وهدايته والتعبد بتلاوته وسماعه، هو الآمر الناهي الواعظ الزاجر، وهو نور يكشف ظلمات الجهل، فما أعظم هذا القرآن الكريم، وما أروع تعاليمه، وما أبلغ هديه وتوجيهاته، وصف للمسلمين الدواء وأن فيه الشفاء، وحدّ لهم حدوداً لا يتعدونها، بالأوامر، والنواهي، وبالترغيب والترهيب، والتمثيل، والقصص، وإبراز وقائع الآخرة، وعرض الآيات الكونية، وأوضح لهم طرق تحقيق الهدف عبادة ومعاملة.
وكون القرآن الكريم كتاب تربية حقيقة مسلّمة لا ينكرها إلا من ختم الله على قلبه، فهو كتاب تربية وتهذيب وتطوير وتجديد لكل أمور الإِنسان في حياته إن أراد الدنيا أو أراد الآخرة.
والذي ينظر إلى أحوالنا بسبب هجران القرآن يجد أن أثر القرآن في الواقع يكاد معدوماً، إِذْ إن القرآن الذي كان عند الصحابة هو نفس القرآن الذي بين أيدينا فما هو الخلل إذاً.
الخلل في أنفسنا بسبب انشغالنا بغير القرآن مما سبب ظاهرة قسوة القلب، وهجر القرآن أن يكون بعدم تلاوته أو بعدم حفظه أو بعدم سماعه أو بعدم تدبره أو بعدم العمل به أو بعدم تحكيمه أو بعدم التحاكم إليه أو بعدم الاستشفاء به من أمراض النفوس.
رؤى جديدة
ويشير م. حنفي أنه في ظل المتغيرات الحديثة وتطور وسائل الإعلام والاتصال نحتاج لرؤى جديدة. ولعلي أبدؤها بتساؤل هل وسائلنا التعليمية جاذبة للشاب؟ وهل مدارس التحفيظ والحلقات القرآنية جاذبة لهم، بل هل حصص القرآن الكريم في المدارس جاذبة لهم؟ وهل هناك رؤى واضحة لجذب الشباب لكتاب الله عزّ وجل؟
إن الشباب تجذبه وسائل التواصل الاجتماعي ويقضي الساعات في التواصل معها.. فهو ليس لديه وقت لكي يذهب لحلقة قرآنية في المسجد، لكن لماذا لا تتواجد الحلقة على جواله؟
هنالك مشروعات قليلة في هذا الجانب وفي هذا الإطار تعمل «خيركم» على مشروع طموح عالمي التطبيق باسم «مشروع الملك سلمان بن عبد العزيز لتعليم القرآن الكريم عن بعد» بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - .
ويحتضن المشروع عدة برامج «أتلوها صح» وهو مشروع يقدم خدمات تصحيح التلاوة لكافة شرائح المجتمع وعلى نطاق العالم عن طريق الهواتف الذكية والذي يُعدُّ التطبيق الأول من نوعه، وبرنامج «تجويد أون لاين»، إضافة إلى المقارئ الإلكترونية.
لا بد من استخدام الوسائل الحديثة والتوسع فيها لجذب الشباب لتعلم القرآن وحب تلاوته.. بل الحرص على مواكبة الشباب واستخدام كل وسيلة أو برنامج حديث يستخدمه الشباب خاصة إذا علمنا أن أكثر من 60 في المئة من سكان السعودية شباب واستخدام هذه الوسائل ليس ترفاً به ضرورة، وإذا عملنا قراءة للواقع نجد أن احدى الفتيات لها حلقات قرآنية على الواتس تدرس فيها 12 ألف طالبة وقد حفظت 70 طالبة كتاب الله عبرها ولم يتجاوز عمر هذا المشروع ثلاث سنوات.
محاضن جذابة
ويطالب رئيس جمعية «خيركم» بضرورة تعزيز حب القرآن وحب تلاوته في النشء وأن تكون المحاضن القرآنية التربوية جاذبة وأنا هنا لا أعني جمعيات التحفيظ فقط بل أعني المدارس أن يكون معلم ومعلمة القرآن مؤهلاً تربوياً، ومن هنا فإنَّ جمعية «خيركم» التفتت لهذا الأمر فأصبحت رؤية «خيركم» وفق التخطيط الاستراتيجي الجديد «بيئة جاذبة وتربية قرآنية».
ومن أهدافها الاستراتيجية «بناء محاضن تربوية متنوعة وجاذبة تحتوي المتميزين وترتقي بالمتربين»، خلاصة القول ينبغي غرس قيم حب كتاب الله في نفوس النشء وحب تلاوته عبر المنزل والمناهج التعليمية في المدارس والحلقات والكليات.. وأن تستخدم الوسائل الحديثة في تعليم القرآن كما أن للمسجد دورا كبيرا في خطب الجمعة عن أهمية تلاوة وأجر تلاوة القرآن وتدبره، وأن لا تكون الملتقيات القرآنية والمعارض مقتصرة على الأكاديميين والمتخصصين بل تأخذ طابع المهرجانات السنوية تعزز حب القرآن في نفوس الشباب، معارض طرق تعليمية، نماذج قرآنية أن يقتصر تعليم هذا الكتاب العظيم في فصل مدرسة وحلقة مسجد ما عدا ذلك كافياً فما عاد السبيل لجذب الشاب، فعلى سبيل المثال فإنَّ عدد طلاب وطالبات جمعيات التحفيظ في المملكة لم يتجاوز (900) ألف طالب وطالبة فيما تحضن التعليم العام 5 ملايين طالب وطالبة، ولا شك أن أثر بعد الشباب عن المصحف خطير لأن الشباب هم المستقبل يقول النبي - صلى الله عليه وسلَّم - : «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين» (صحيح مسلم).
فتدبر القرآن الكريم وتعقل معانيه مطلب شرعي دعا إليه القرآن وحثت عليه السنة وعمل به الصحابة والتابعون ومن بعدهم، قال تعالى {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29 سورة ص).
مناهج حديثة
ويؤكد م. حنفي على أن الحاجة ماسة في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى وضع مناهج حديثة ووسائل تجذب أبناءنا لكتاب ربنا وحبه وتلاوته.. ولاسيما في ظل التحديات المعاصرة التي نراها اليوم حتى يحفظ الشباب هويتهم، ودعم أمن المجتمع وسلامته، ووقاية النشء من الزيغ والانحراف والغلو والإرهاب، وإرساء قيم الوسطية السمحاء لبنات نماء، وتطور لمجمع أمن ومثالي، مشيراً إلى أن السبيل لتوجيه وتذكير الناس بالإقبال على كتاب الله والمداومة عليه، تذكيرهم بأجر تلاوته عبر الوسائل المختلفة، وأن من أحب القرآن فهو يحب الله كما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - «من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله عز وجل، فليعرض نفسه على القرآن، فإنَّ أحب القرآن فهو يحب الله تعالى، فإنما القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن أحب القرآن فهو يحب الله عز وجل».
إن الابتعاد عن كتاب الله يتسارع بشكل مخيف، وتمادت الأمة في التخلي عنه شيئاً فشيئاً، فعاقبها الله بأن سلبه من يدها، إلى أن أصبحت لا تعمل به. إني لأعجب من أمة تهجر كتاب ربها وتُعرض عن سنة نبيها، ثم بعد ذلك تتوقع أن ينصرها ربها؟ إن هذا مخالف لسنن الله في الأرض. إن التمكين الذي وعد به الله، والذي تحقق من قبل لهذه الأمة، كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل، الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الآن.
إن الذين يحلمون بنزول النصر من الله لمجرد أننا مسلمون لواهمون، ذلك أن تحقق النصر له شروط قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ امنوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا استخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمنا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55 سورة النور)، فعودوا إلى كتاب ربكم واقبلوا على تلاوته وفهمه وتطبيقه في حياتكم تنالوا الخير والرفعة في الدنيا وشفاعة القرآن في الآخرة.
نصائح مهمة
وقدم م. عبد العزيز حنفي مجموعة من النصائح المعينة على قراءة القرآن وتدبره وذلك وفق النقاط التالية:
- لا نجعل يوماً يمر علينا دون أن نتعبد إلى الله بقراءة القرآن ولو صفحات يسيرة لن تأخذ من وقتك الكثير.
- حاول أن تستمع للقرآن في وقت يصفو فيه ذهنك لبعض المقرئين الذين تحب قراءتهم.
- احمل معك مصحفاً في جيبك واصطحبه معك في كل مكان. هل من الصعب أن تتعامل مع المصحف كما تتعامل مع جوالك؟
- اجعل نسخة من برامج المصحف على جوالك. كثيراً ما نتعرض لأوقات الانتظار في السفر والمعاملات اليومية، فتخيل كم من الحسنات ستكسب لتلاوة آيات القرآن بدل أن تضيع هذه الأوقات سدى في التململ.
- اشترِ نسخة من المصحف تحوي معاني الكلمات في الهامش ولا تجعل كلمة تمر عليك حتى تفهم معناها.
- اقتنِ أحد التفاسير المبسطة كالتفسير الميسر وحاول أن تقرأ منه بانتظام حتى تختم القرآن.
منه نبدأ وإليه نعود
يوضح الدكتور عبد الله بن علي بصفر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم أن القرآن الكريم كتاب الله تعالى، منه بدأ وإليه يعود، نزل به الروح الأمين على قلب محمد - صلى الله عليه وسلَّم - بلسان عربي مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، تكفل الله بحفظه وتعبدنا الله بتلاوته وتدبر آياته ومعانيه {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أم عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
والذي ينظر إلى أحوالنا اليوم مع القرآن يجد تقصيراً في إقبالنا على كتاب ربنا سبحانه وتعالى، فالقرآن الذي بين أيدينا هو نفس القرآن الذي بين أيدي الصحابة الكرام، فأين الخلل إذاً؟
إن الخلل يكمن في أنفسنا، وانشغالنا بغير القرآن عن القرآن، حيث أقبلنا على برامج الأجهزة الحديثة ومتابعتها وقراءتها بشكل دائم في أمور الدنيا وأخبارها وعدم توظيفها في الإقبال على كتاب الله تلاوة واستماعاً وفهماً، من خلال البرامج القرآنية الإلكترونية الموجودة في الأجهزة، وغير ذلك من الأمور الدنيوية التي تصرف المرء طاعة الله عز وجل وتلاوة كتابه المبين.
الخطاب المباشر
ويؤكد د. عبد الله بصفر أن على المسلم أن يستشعر أن هذا القرآن هو خطاب مباشر من الله عز وجل لجميع البشر، وهو خطاب يشمل أسئلة وإجابات ووعداً ووعيداً، وأوامر ونواهي، فالتجاوب معها يساعدنا على الإقبال على كتاب الله. قال الله - جل وعلا - {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30 سورة الفرقان)، ويقول الإمام ابن كثير - رحمه الله - : «فكانوا إذا تُلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه». تفسير ابن كثير (3/ 318)، ويقول ابن عباس - رضي الله عنه وأرضاه - : «من لم يختم القرآن في شهر فقد هجره».
ولم يكن عند الصحابة مؤلفات ولا صحف ولا مجلات، معهم القرآن وكانوا يمشون على الأرض وكل واحد منهم قرآن، فتحوا الدنيا بآيات الله البينات، وهذه معجزة رسولنا - صلى الله عليه وسلَّم - أن يأتي بكتاب فيتوارث منه العلماء مجلدات ومجلدات تملأ البيوت والمكتبات في كل الدهور والعصور.
أتى النبيون بالآياتِ فانصَرمت
وجئتنا بعظيمٍ غير مُنْصرمِ
آياته كلّما طال المدى جُددُ
يزينُهُنَّ جلالِ العِتقِ والقدمِ
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - هجر القرآن أنواع: «أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به، والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم، والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30 سورة الفرقان).
إن سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم - قد حذروا من هجر القرآن الكريم وذكروا الأسباب التي أدت إلى ذلك، وذموا من هجره، فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: «لو طهُرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله، وما أحب أن يأتي عليّ يوم ولا ليلة إلا أنظر في كلام الله - يعني في المصحف - «. حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني (7/ 300).
الفوز بالخيرية
ومضى الدكتور عبد الله بصفر يقول: اقبلوا على بيوتكم وقلوبكم وأبنائكم، اقبلوا عليها بتغذيتها بكتاب الله، استرشدوه يرشدكم، تدبروه يعنكم بإذن الله، استهدوه يهدكم من أنزله، يحيي بيوتكم على الإيمان، يردكم إليه رداً جميلاً.
فالله الله في العناية بكتاب الله تلاوة وحفظاً وتدبراً، والحرص على تعلم القرآن وتعليمه، والعمل على تشجيع أبنائنا وبناتنا - خاصة - للالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن العظيم، لما في ذلك من الفوز بالخيرية التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلَّم - حين قال: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»، وكذلك المشاركة في المسابقات القرآنية التي تسهم في حفظ الشباب من الانحرافات العقدية، وتحصنهم ضد الشبهات الفكرية، وتجعلهم يسيرون في الحياة بنور القرآن، ويسترشدون بكلام الرحمن، الذي فيه الهداية والتوفيق والنجاة في الدنيا والآخرة.
برامج ميسرة
وتبيّن الأستاذة لينا بنت فهد السيف المشرفة على القسم النسوي بالمركز الخيري لتعليم القرآن وعلومه بالمدينة النبوية أن كل مسلم يجل كتاب الله، ولكن التقصير يأتي من الشيطان والغفلة والصوارف، وواجبنا كصروح انبرت لخدمة كتاب الله أن نذكر بأهمية تخصيص وقت للقرآن قراءة وتدبراً، وحيث إن الفهم والتدبر لا يصل إليه كل أحد، ينبغي بذل الهد لصياغة برامج تيسره لجميع فئات المجتمع، سواء عبر التقنية الحديثة، أو بفصول دراسية يقدمها أهل الاختصاص، وأما بشأن التحفيز لأبناء الأمة لحضورها فحبذا اعتماد شهادة تكون بالتنسيق مع التعليم من متطلبات الدراسة وتتيح الحصول على نقاط تزيد فرصة الدراسة والعمل.
وسائل الاتصال الحديثة
وتؤكد الأستاذة حنان شاهين المقرة في برنامج الإقراء بالمركز الخيري لتعليم القرآن وعلمه بالمدينة النبوية أن الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة تعد من أخطر وسائل الصد والبعد، بل وعدم الرغبة في تلاوة وحفظ القرآن والأعراض عنه بحجج واهية، تجمع كلها في العدو الذي بيّنه الله لنا وحذرنا منه ألا وهو الشيطان الذي أقسم بعزة الله على إغواء بني آدم وصرفه عن فعل كل خير يدخلنا الجنة حسدا منه، «فالعدو معروف وغايته معروفة» والمشكلة التي نحن بصدد معرفة أسبابها هي نحن البشر المخيرين بين اتباعه أو اتباع خالقنا وكتابه! هناك أسباب عديدة ساهمت في إعراض الناس عن كتاب الله «إضافة للإعلام الفاسد بأفكاره وأخلاقه الذي له دور كبير في الصد عن كل ما يحبب للتقرب إلى الله».
أولاً، عدم التفكير أو التذكير بغاية خلقنا وسبب وجودنا في هذه الحياة، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وحصر معلوم العبادة بالشعائر عدد الختمات أو عدد الركعات وعدد نوافل الصيام وعدد الحج والعمران إلخ. دون التحدث عمّا يجب أن تحدثه هذه الشعائر من سلوكيات وأخلاق تسعد البشر في حياته الدنيوية والأخروية، فالبيت يحتاج إلى علم وذكر والمعلم والمعلمة يحتاجان الشيء نفسه ففاقد الشيء لا يعطيه، والحوافز المعنوية والمادية للمدارس ولكل العاملين بها زهيدة جداً لا تليق بأهل القرآن «معلم ومتعلم» ومعوقات أخرى تخص المدارس واحتياجاتها تحتاج إلى من يتبنى متابعتها بإخلاص وتعبد وإنفاق مال ووقت أكثر من السابق.
الشباب والقرآن
تقول الأستاذة نجاة عمار المشرفة على دار زاد الحرائر التابعة للمركز الخيري لتعليم القرآن وعلومه بالمدينة النبوية ان الإيمان بأن القرآن منهج حياة ودليل نجاح ودستور أمة.. هذا الإيمان هو أساس الارتباط بالقرآن.. ارتباطاً روحياً وفكرياً ومنهجياً.. وعليه فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - حين كان ينزل عليه القرآن.. ويتلوه هو بصوته مستصحباً لغة جسده وهو في كامل بهائه ونوره وخشوعه - صلى الله عليه وسلَّم - .. كان لهذا التنزيل الإلهي بالغ الأثر في الصحابة الكرام، لأنه يرتبط عندهم بالرسول الصادق والنبي الرؤوف والرسول الرحيم صوتاً وصورة ومعنى وإحساساً.. وهم على يقين أنه لا يأتيهم إلا بخير.. هذا الاعتقاد هو أساس التأثير.. ولهذا المولى في كتابه أكد حين قال {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أو أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}، ولذلك أيضاً لم ينزل القرآن في صحائف مكتوبة كصحف إبراهيم وموسى.
اليوم.. جيل الشباب.. أحوج ما يكون إلى هذا المؤثر.. فوجود القرآن بينهم مطبوعاً في مجموعة صحائف.. لا يشكل دافعاً كافياً للارتباط بالقرآن.. وهنا نتذكر نزول القرآن متلواً.. ولهذا بعض الشباب يميل إلى سماع القرآن من أصحاب الأصوات الندية.. فكأن هذا الصوت جاذبه نحو القرآن.. وبعضهم ربما تجذبه صورة القارئ أو هيئته.. هذا من جانب.
ومن جانب آخر.. فإنَّ وجود القرآن مطبوعاً فقط.. لا سيرة ومسيرة.. أي لا واقعاً حقيقاً.. من خلال المجتمع والقائد والمعلم والوالد.. الذي يتمثل القرآن سلوكاً وخلقاً.. كأنما قيل عن النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلَّم - كان قرآناً يمشي على وجه البصيرة.. هذا عامل آخر في هجر القرآن.. لأنه بات مجرد كتاب سابق أو كتاب أحكام ومواعظ تتلى في بيوت الله حين النداء والاجتماع فيها.
أيضاً ضعف الارتباط باللغة الأم «اللغة العربية» والشعور بالانهزامية أمام الثقافات الوافدة من البلاد المتحضرة في هذا العصر التي أخذت بأسباب النجاح الكونية التي سنها المولى سبحانه حين خلق السموات والأرض {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} عامل آخر في الهجران.
وبناء على ما سبق تتعدد صيغ الهجران. من هجران تلاوة إلى هجران سماع.. إلى هجران تدبر وتطبيق وامتثال وتحكيم بل إلى هجران الاستشفاء به.. وهذا لا شك في مجمله يمثل الحرام والخسران.. الحرمان من جمال القرآن وبديعه.. وأسرار القرآن وأحكامه.. وسير القرآن وقصصه.. والخسران من الأجر والثواب والرفعة والعزة.. وهو الكتاب الهادي والمصلح {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}، وربما خسران الآخرة {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا.. مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}.