قصة حجرف الذويبي وتوكله على الله ">
الشعراء الشعبيون على مدى العصور المتعاقبة هم أبناء الفطرة الإسلامية؛ لهذا لا تخلو نصوصهم مما يوثِّق ارتباط أفئدتهم بخالقهم سبحانه وتعالى وبما أنزل على نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك ارتباطهم بمعنى الأحاديث الشريفة وهي المصدر الثاني للتشريع بعد المصدر الأول وهو القرآن الكريم، من ذلك قصة تُجسِّد التوكل على الله أنقلها لكم هنا وهي قصة للشيخ حجرف الذويبي رحمه الله يُجسِّد فحواها - نفحات إسلامية يختزلها الشعر الشعبي - بنص رواية الراوي والشاعر منديل بن محمد بن منديل الفهيد - رحمه الله - في الجزء الأول - الطبعة الثانية - الصادر عام 1419هـ بعنوان: سلسلة من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية: (الشيخ حجرف الذويبي المشهور بالشجاعة والكرم شيخ بني عمرو من حرب: اشتهر بذبح الغنم والإبل للضيوف إذا نزلوا بالقيظ على الماء في بعض السنين يعدم جميع ما عنده، ولكن البادية لهم عوائد طيبة مع الشيخ خاصة يجمعون له إبلاً وغنماً إذا احتاج ومع البقية عامة للعاني أو المنقوص ولا يبقى معهم ضعيف حسب التعاون بينهم. وفي سنة من السنين أعدم جميع ما عنده كجاري العادة، وأراد جماعته أن يتركوه في المراح ويروحون من المنزل ويتركونه خلاف العادة، وفي زعمهم أن يرجعوا عليه إبلاً يشيل عليها لعله يترك ذبح الإبل وإفناء ما عنده، ولكن الطبع يغلب التطبع، فبقي ليلة رحيلهم عنه وزوجته تلومه بقولها: أول ما تخلّى عنك جماعتك، وتركوك وحدك، فلماذا لا تحفظ مالك لليوم الأسود. فلم يعبأ بكلامها لشدّة توكله على الله وكان يمشي بالفلاة فرأى داباً أعمى خرج من وسط الشجرة فأظهر رأسه فجاء طير فحسبه غصناً فوقع فأكله، وفي المرة الثانية في المساء جاء طير وأظهر الداب رأسه من وسط الشجرة فوقع عليه يحسبه غصناً فأكله والذويبي ينظر فعرف أن هذا رزق لهذا الداب الأعمى من الله، فقال:
اللي يرزق هالداب العمى ما هو مخليني. ثم ورد على الماء الذي هو فيه إبل كثيرة ضائعة من قوم فأسقاها وأخذها وكان فيها خلفات ومسح وزمل فرحل عليها في الصبح بأثر ربعه ولحقهم)، وقال في هذه المناسبة هذه الأبيات:
يقول ابن عياد وإن بات ليله
مانيب مسكينٍ همومه تشايله
أنا لي ضاقت علي تفرّجت
يرزقني اللِّي ما تعدّد فضايله
يرزقني رزّاق الحيايا بجحرها
لا خايلت برقٍ ولا هي بحايله
جميع ما حشنا ندوّر به الثنا
وما راح منّا عاضنا الله بدايله
نوبٍ نحوش الفود من ديرة العدا
ونخزز اللّي ذاهباتٍ عدايله
خزٍ بالأيدي ما دفعنا به الثمن
ثمنها الدمي بمطارد الخيل سايله
مع لابةٍ فرسان ننطح به العدا
كم طامعٍ جانا غنمنا زمايله
نكسب بهم عز وننزل بهم الخطر
ولا هب من قفرٍ رعينا مسايله
- محمد بن علي الطريف