د. عبدالعزيز بن أحمد بن سليمان العليوي ">
جريمة نكراء وفعلة شنعاء، هزت مشاعر المسلمين عموماً والسعوديين خصوصاً، راح ضحيتها العشرات من القتلى والمصابين، أما مكانها: فمسجد الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه في بلدة القديح بمحافظة القطيف، وأما زمانها: فأثناء أداء المسلمين لصلاة الجمعة الماضية.
ولنا مع هذا الحادث المؤلم ثمان وقفات:
الوقفة الأولى: اشتمال هذه الجريمة على عدة كبائر ومنكرات، من إزهاق النفوس والقتل والانتحار، وترويع الآمنين وإتلاف الأموال، ونقض العهود وتجاوز إمام المسلمين.
ومن النصوص المحذرة من هذه الجرائم على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: قوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا .
وقوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ * إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا . وقوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا .
وقوله صلى الله عليه وسلم (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) أخرجه النسائي والترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً)، أخرجه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)، متفق عليه، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) أخرجه أحمد وأبو داود.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) أخرجه البخاري.
فهذا الوعيد لمن حمل السلاح، فكيف بمن باشر القتل، ألا يعلم هؤلاء أن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، وأن الكافر في أرض المعركة إذا نطق بالشهادة حرم قتله، مع أن ظاهره إنما نطق بها خوفاً من القتل، وقصة أسامة ابن زيد لا تغيب عن البال، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله، قلت كان متعوذاً، فمازال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم « متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: (فيه دليل على أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر، والله يتولى السرائر).
الوقفة الثانية: إن الاعتداء على حرمة المساجد والمصلين من أشد أنواع الإفساد في الأرض، حيث إن المسجد مكان للتعبد والأمان، ولا يجوز تحويله إلى مكان تهجم وتهديد، وقد أكد القرآن الكريم حرمة المساجد في أكثر من موضع، ويكفي أن يعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن المساجد هي بيوت الله عز وجل، وقد أضافها الله عز وجل إلى نفسه إضافة تعظيم وتشريف، فقال سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.
بل قد بلغَت عنايةُ الإسلام بالحِفاظ على الأمن بأن حرَّم كلَّ ما يُؤذِي المسلمين في طُرقهم وأسواقِهم ومواضع حاجاتهم، فعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :» إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل، فليمسك على نصالها، أو قال فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء « متفق عليه، وفي فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ومن دخل المسجد فهو آمن « أخرجه أبو داود. بل جاءت النصوص بالنهي عن قتل الرهبان في الكنائس، فكيف بقتل المصلين في المساجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ا
لوقفة الثالثة: أن دين الإسلام ومنهج أهل السنة والجماعة برئ من مثل هذه التصرفات, ولذلك فإن هذا التصرف ينبغي أن لا يُنسب إلا لمن صدر منه فقط, ولا يتحمل جريرته إلا من صدر عنه, فلا يجوز أن يلقى كلام عمومي على عواهنه بنسبة هذه الجريمة وهذا الفكر إلى عموم أهل السنة والجماعة، أو إلى المتمسكين بدينهم والملتزمين به، أو إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم ومراكز الدعوة والإرشاد أو المناهج الدراسية، فإن هذا جور وظلم, والله تعالى يقول: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا , فمقتضى العدل أن لا يتجاوز الإنسان في نسبة الأمر لغير من صدر منه.
الوقفة الرابعة: السّعيد من أدركته منيّتُه وهو ثابتٌ على شهادةِ التّوحيد، ليس في رقَبَته شيءٌ من حقوقِ العباد، ملازِمٌ لجماعة المسلِمين، متّقٍ للفِتَن، يحذَر فِتنًا لا تصيبُ الذين ظلَموا خاصّة.
وإن من المشاكل العظام التي ابتليت بها أمة الإسلام هي ما يعتنقه بعض أبنائها من فكر الغلو والتكفير والتفجير, وقد بدأت هذه النابتة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتيَ بقطعة من الذهب فقسمها بين أربعة نفر, فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، وقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»... كان هذا هو موقف الصحابة.. لما جهلوا شيئًا بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم حكمه.. لكن انظر إلى الجانب الآخر.. قال راوي الحديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» قال أبو سعيد: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: « إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ قال: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ», وجاء في رواية عند مسلم: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».
وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ».
فينبغي للإنسان الحرص على دينه, والحذر من فكر الغلو والتطرف، كما يحذر من فكر التساهل والتهاون, فإن أمة الإسلام أمة وسط لا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
الوقفة الخامسة: ينبغي أن لا تتخذ هذه الأحداث مجالاً للمزايدة على أمن هذه البلاد, فأمن هذه البلاد، بلاد الحرمين، خط أحمر، وقد اكتوى أهل السنة قبل غيرهم بنار الغلو والتطرف، فصبروا ووقفوا مع حكامهم صفًا واحدًا في مواجهة الأخطار.
فالمزايدة على الأمن والتهديد بالحماية الذاتية أو الحشود الشعبية أمر لا يقره جميع مواطني هذه البلاد المخلصين, وهو إنما يخدم أعداء هذه البلاد الذين لا يريدون لها استقراراً ولا اتحاداً ولا أمنًا, فنقف جميعًا صفًا واحدًا ويدًا واحدة مع دولتنا ورجال أمننا و علمائنا في مواجهة الأعمال التخريبية، فمهما اختلفنا، ومهما تعددت مطالبنا وتنوعت رغباتنا وآمالنا المشروعة، فيجب أن تكون على يقظة تامة من أمرنا، فكم من متربص يريد تفتيت بلادنا، وتمزيق شملنا وهدم وحدتنا، وانهيار كياننا، والسعيد من وعظ بغيره.
أيها الإخوة الكرام : لقد كان من مكر أعداء الدين أنهم استغلوا الخلاف المذهبي لإثارة الفتن ونشر الاضطرابات، ومصادرة الأمن والاستقرار، وتهيئة الفرص للتدخلات الخارجية والمحاولات الأجنبية، وعلى المسلمين أن يعلموا حيل أعدائهم فيهم فيفوتوا عليهم فرص النيل منهم.
قال سماحة المفتي العام للمملكة: « إن هذا الحادث مؤثم إجرامي تعمدي، حادث خطير يقصد المنفذون من ورائه إيجاد فجوة بين أبناء الوطن ونشر العداوة والفتن في هذا الظرف العصيب، والمملكة تدافع عن حدودها الجنوبية، فأرادوا بهذا العمل إشغالها بتنفيذ هذا المخطط الإجرامي الذي يهدف مَن وراءه إلى تفريق صفنا وكلمتنا وإحداث فوضى في بلادنا، ولكن ولله الحمد، الأمة متماسكة مجتمعة متآلفة تحت دين الله جل وعلا ثم تحت راية قيادتنا المباركة الحكيمة التي تسعى وتبذل جهداً في توحيد المجتمع وتقوية روابطه فيما بيننا جميعاً» انتهى كلامه وفقه الله.
وجاء في بيان هيئة كبار العلماء الصادر قبل يومين ما نصه :» وشعب المملكة على درجة كبيرة من الوعي و الإدراك، فقد اتضح للجميع أن وراء هذه الجريمة عصابات الإرهاب والإجرام من داعش وغيرها ،التي تدار من جهات خارجية ،وهدفها الواضح زعزعة الاستقرار، وإيقاع الفتنة « إلى آخر البيان.
أخي القارئ الكريم: وَإِذَا كَانَ الْأَمْنُ وَالِاسْتِقْرَارُ بِهَذِهِ الْأَهَمِّيَّةِ الْكَبِيرَةِ كَانَ لِزَامًا عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الْحِفَاظُ عَلَيْهِمَا، وَالسَّعْيُ فِي تَقْوِيَتِهِمَا، وَاجْتِنَابُ مَا يُؤَدِّي لِفَقْدِهِمَا.. وَأَعْظَمُ ذَلِكَ تَقْوَى اللَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْتِزَامُ دِينِهِ، وَتَحْكِيمُ شَرْعِهِ، وَاجْتِنَابُ مَعْصِيَتِهِ، وَالْأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ
فَإِنَّهُمَا صِمَامَا الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ، قال سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ .
وقال سبحانه وتعالى : الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ * وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .
ومن أهم مقومات الأمن والاستقرار لزوم الجماعة والنهي عن شق عصا الطاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا أَخْبَرَ عَنْ زَمَنِ الْفِتَنِ، وَكَثْرَةِ دُعَاةِ جَهَنَّمَ، سَأَلَهُ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَمَّا يَفْعَلُ إِنْ أَدْرَكَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُدَافَعَةِ المُنْكَرَاتِ بِالنَّصِيحَةِ وَالْأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّـهِ؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللهَ الَّذِي لَكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
فَكُلُّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ، وَرَدْعُ مَنْ يَسْعَى إِلَيْهِ؛ حِفَاظًا عَلَى الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ.
الوقفة السادسة: نداء موجه لشبابنا أقول لهم: كونوا على حذر من الشائعات الكاذبة، والأراجيف المغرضة والأفكار الهدامة، والفتاوى المستوردة والمناهج الوافدة المخالفة لمنهج سلف الأمة التي تبث عبر بعض الفضائيات والهواتف الذكية والشبكة العنكبوتية، وتسعى لبث الفرقة ونشر الخوف والهلع، وتقدح في الولاة والعلماء وتوهن القلوب لتهول من قوة العدو، وتهون من قدرة أمة الإسلام.
شباب الإسلام وفلذات الأكباد وثمرات الأفئدة وقرة العيون اتقوا الله في أنفسكم، ولا تتبعوا من تأثر بهذه الأفكار، ولا تكونوا فريسة للشيطان، فيجلب عليكم خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واعلموا أن هناك من يثير الشبهات ويستغل حدثاء الأسنان، ليجعلهم مطية للوصول إلى أهدافه، وقد يظهرون لكم أنهم من أهل العبادة والتقوى حتى تنخدعوا بهم ,وأسالوا أهل الذكر عما أشكل عليكم « فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون « والمراد العلماء الربانيون، وحذروا من ترونه من خطورة إيواء المطلوبين ومساعدتهم لأن إيواءهم من التعاون على الإثم والعدوان.
شباب الإسلام، كم أدميت قلوب آباء وأمهات بسبب تشبع قلوب أبنائهم بهذه الشبه الضالة، كم أم وأب باتوا مكلومين مصدومين مذهولين من جراء انضمام بعض ابنائهم لهذه الفئات الضالة، كم أب أم باتوا مطمئنين واستيقظوا على خبر مفجع، أقض مضاجعهم وأدمى قلوبهم، وأسال دموعهم، شباب الإسلام عليكم أن تفرحوا والديكم ولا تحزنوهم، وَتُضَحِكُوهُمْ وَلَا تُبْكُوهُمْ؛ فَإذَا كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ أَنْ يَرْجِعَ مِنَ الْـجِهَادِ الصَّحِيحِ، نَقِيِّ الرَّايَةِ، سَلِيمِ الْغَايَةِ؛ مِنْ أَجْلِ رِضَا وَالِدَيْهِ ؛ فَكَيْفَ بـِجِهَادٍ بَاطِلٍ ؟! أَلَيْسَ أَوْلَى بِأَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهُ ؛ لِيُضْحِكَ وَالِدَيْهِ كَمَا أَبْكَاهُمَا ؟! أَوَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَدْ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَقَدْ أَتَيْتُ وَإِنَّ وَالِدَيَّ لَيَبْكِيَانِ، قَالَ: صلى الله عليه وسلم «فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. فَكَيْفَ تُـحْزِنُـهُمَا بِعَمَلٍ لَا يَزِيدُكَ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا، وَمِنَ النَّارِ إِلَّا قُرْبًا ؟! أَوَ مَا عَلِمْتُمْ -يَا شَبَابَ الْإِسْلَامِ- أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ الْـجِهَادِ الصَّحِيحِ بَرَّ الْوَالِدَيْنِ ؟ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: « فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مَعَ وُجُوبِ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ هُوَ إِفْسَادٌ لَا إِصْلَاحَ، وَضَلَالٌ لَا جِهَادَ. وَهَلِ الْـجِهَادُ فِي بِلَادِ الْإسلامِ، وَمَنْبَعِ التَّوْحِيدِ؟
الوقفة السابعة: مع أولياء الأمور أقول لهم:
أيها الآباء اقتربوا من أولادكم، وتابعوهم متابعة دقيقة، واصطفوهم أصدقاء لكم، وصادقوا أصدقاءهم، واسمعوا وجهات نظرهم وحاوروهم بلا عنف، ولا تنشغلوا عنهم، ولا تتعاملوا معهم بردة فعل معاكسه، فتمنعوهم مما فيه خير، وإذا لا حظتم أي تغير فيهم فلا بد من الاستنارة بآراء العلماء والمستشارين، وإذا انقطعت أخبارهم ولم يمكن التواصل معهم، فبلغوا الجهات المسؤولة حماية لكم ولهم من كل سوء ومكروه.
الوقفة الثامنة والأخيرة: مع محاضن التربية والتوجيه، وأساتذة الجامعات، ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومراكز الدعوة والإرشاد ،وخطباء الجوامع وأئمة المساجد والدعاة وغيرهم أقول لهم: إن المسؤولية الملقاة على عواتقنا كبيرة والأمانة عظيمة، والبلاد مستهدفة و العدو متربص بنا، فلا بد من مضاعفة الجهود في محاربة الغلو والتطرف وتعزيز الأمن الفكري والمنهج الوسطي، وتكثيف التواصل مع الشباب والاستماع إلى آرائهم ومحاورتهم بالتي هي أحسن، وربطهم بالعلماء الربانيين الراسخين في العلم لحل إشكالاتهم والإجابة على شبهاتهم، فإن التطرف في الفكر لا يقاوم بتطرف آخر، وإنما يقاوم بالحجة والبيان.
هدى الله الجميع إلى صراطه المستقيم، ورد ضال المسلمين إلى جادة الصواب، إنه سميع قريب مجيب.
كما نسأله سبحانه أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والإيمان, وأن يحفظ ولاة أمرنا من كل سوء ومكروه، وأن يحقن دماء المسلمين في كل مكان، ويوحد صفوفهم، ويجمع كلمتهم، ويؤمن خائفهم، ويطعم جائعهم، إنه على كل شيء قدير
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أستاذ الفقه المشارك بكلية التربية بالزلفي - جامعة المجمعة