د. زيد بن محمد الرماني ">
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183 سورة البقرة).
هذا نداء إلهي يدوي في جنبات الوجود ويحلق في آفاقه منبهاً إلى فريضة الصوم.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً لم يعطهن نبي قبله:
1) أما واحدة: فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً.
2) وأما الثانية: فإن خلوف أفواهم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك.
3) وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة.
4) وأما الرابعة: فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي.
5) وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعاً.
يقول الأستاذ محمد الحجار في كتابه ((صوت المنبر)) ما أحوجنا إلى هذه التربية الحكيمة. فننظر إلى إخواننا المعذبين الذين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، نظرة إنصاف ورحمة بِّر وشفقة.
فالصوم يكسر الكبر ويشعر الإنسان بضعفه وعجزه وأنه في حاجة ماسة إلى لقمة العيش وشربة الماء، وأن حياته متوقفة على الطعام والشراب والهواء، فهو في حاجة إلى ربه دائماً وأبداً.
والصوم يعلم الصبر، فيجعل الإنسان قادراً على تحمل الأذى والمكاره، وقد سُمي الصيام صبراً.
والصوم يُعلم الأمانة ويُعلم الصدق في المعاملة ويُعلم النصح لكل مسلم ويُعلم مراقبة النفس ويُعلم مراقبة الله عز وجل.
فالصوم سرّ بين العبد وربه، الصوم يحرّك الشفقة في القلب ويحض على الصدقة فهو يُعلم العطف، ويحث على البر.
فهو شهر الجود والكرم وشهر البِّر والإحسان فإذا جاع مَنْ ألف الشبع وحُرم الغني المترف أسباب المتع، عرف الجوع كيف يقع، وأدرك ألم الفقر والحرمان إذا لذع.
فالصيام يكسر الشهوات، إذ لا تكسر النفس بشيء كالجوع، ويذكر الصيام بحال الأكباد الجائعة والأجسام العارية والنساء المشردة، فيرق القلب وتلين النفس.
إن الصيام يدعو إلى التحلي بمكارم الأخلاق، إذ يُكلف فيه الإنسان أن يحفظ لسانه عن الغيبة ويغض عينه عن النظر إلى الأجنبيات ويصون قلبه الرقيق من وساوس الشياطين.