في يوم مشرق بالأمل - أوائل القرن العشرين - انشق الأفق عن شمس الجزيرة العربية تعلن ميلاد الدولة السعودية الثالثة.
وكان معظم الوطن العربي -آنذاك- يرزح تحت نير الاستعمار، الذي رسّخ لمبدأ فصل الدين عن الدولة وأنظمتها وكافة فعالياتها، وقصره على كونه مجرد علاقة بين الإنسان وربه!!
لكن هذه الدولة السعودية الوليدة أبت إلا أن تسبح ضد هذا التيار، وراهنت على أن مبدأ الإسلام هو الصالح المصلح لكل زمان ومكان، فاتخذت القرآن والسنة دستوراً ومنهج حياة. وبهذا الخيار نجحت الدولة نجاحاً منقطع النظير، فبعد أن كانت قبائل وشعوباً تتقاتل على الماء والكلأ، أصبحت -في زمن قياسي- دولة موحّدة كاملة الأهلية، بحكومة ووزارات ومؤسسات وميزانيات، وخطط تنموية توظّف ما وهبها الله من خيرات -خاصة بعد تدفق النفط من أرضها- في البناء والتأسيس لمستقبل واعد.
كانت مجهولة مقصية - عالمياً- فأصبحت من أهم دول الشرق الأوسط.. بل والعالم!
كانت فقيرة، فأصبحت -عضواً في نادي العشرين- تشارك في قيادة اقتصاد العالم!
كانت الأمية فيها طاغية، فأصبح أبناؤها -وبناتها- يحصدون الجوائز العالمية في العلوم والرياضيات!
كانت تفتقر إلى الجامعات، فأصبحت في كل المناطق ومعظم المحافظات!
كان جيشها أفراداً بلا تدريب ولا تسليح يذكر، فأصبحت من أهم دول المنطقة عسكرياً، بجيش وطيران حربي ضارب، برهن قدرته في أكثر من مناسبة!
أما في الحقل الدبلوماسي، فقد صارت المملكة مرجعية الحكمة عربياً، واعتادت الرؤوس أن تلتفت إلى وزير خارجيتها -كلما حزب الأمر- تنشد صواب الرأي!
وقد تحقق لمملكتنا كل ذلك بفضل الله - سبحانه وتعالى- على هذه البلاد وأهلها، ثم بحكمة ملوكها الأفذاذ، الذين تمسكوا بإدارة الحكم على شرع الله دون سواه، وأنزلوا المواطن منزلة الأب والأخ والابن، وأتقنوا سياسة التعامل مع الدول والمنظمات والأفراد، وفرضوا احترام الدولة على المجتمع الدولي.
كل هذا يؤكّد أن المملكة العربية السعودية، التي انفردت بتطبيق صحيح شرع الله الحنيف، استطاعت أن تبني نهضتها الباذخة المشهودة على أساسه، فانفردت - طبقاً لذلك- بحالة الأمن والاستقرار والرخاء وسط عالم يموج بالاضطرابات والفتن والحروب.
وما استدعائي لمشهد هذا التاريخ وتلك المقاربة، إلا لأنني واحد من المسلمين، الذين يخشون على دينهم وأمتهم مما يحاك لهم في هذا الظرف الدقيق، حيث لم تمر بالإسلام والمسلمين مثل هذه الحالة الراهنة، وهذا التحالف (العجيب) بين أعداء الإسلام، وبعض الجهلاء والانتهازيين من مدّعي الإسلام، الذين يتخذونه مطية لبلوغ غاياتهم الدنيوية.
لقد مرّت الأمة الإسلامية - منذ فجر الإسلام- بأزمات وصراعات وفتن كثيرة وخطيرة.. ولكنها لم تمر بفتنة وأزمة أكثر خطورة من هذه الحالية، التي اتفقت فيها غايات وأهداف الأعداء، مع شهوات وطموحات بعض الجهلاء، على الإساءة للإسلام والمسلمين بهذا الشكل وهذا العنف وهذا الظلم.. فلقد ظُلم الإسلام، وخسر المسلمون، وربح الأعداء.
اختفت الحكمة وتجلّى الجنون.. وتوقف البناء والإعمار ليعم الدمار.. وأصبح الجهاد انتحاراً، والوفاء غدراً، والأمن فوضى.. والحرائر سبايا.. وعاثت العصابات والمليشيات في الأرض فساداً، بالقتل والاغتيال والتفجير، حتى في المساجد.. وانتشرت صور الأطفال يبكون أشلاء آبائهم وأمهاتهم.. والرجال يُحرقون أحياء.. والحكومات تسقط، والدول تتقسم.. يا لها من مأساة.
وحين اخترت العنوان: «الإسلام ينادي.. إن لم نلبّ.. فمن يلبّي؟» كنت على يقين بأن الواقع يرشح المملكة العربية السعودية - قيادةً وإنساناً ومكاناً-.. لهذا الشرف.. شرف تلبية نداء الإسلام.. لتخليصه من إساءة بعض أبنائه إليه.. وأي إساءة أشد هولاً من عقوق الأبناء.. وخيانة المنتمين المؤتمنين.. وأي غدر أعظم من غدر المسلم لأخيه المسلم، بل وغدر الإنسان لأخيه الإنسان؟!
وترشيح السعودية لا يأتي من فراغ.. بل لأنها أنجح تجربة للوحدة العربية في العصر الحديث، جمعت القبائل المتفرِّقة المتناثرة المتحاربة في دولة عصرية، تحتل موقعها المميز إقليمياً وعالمياً.
وهي الدولة الوحيدة في العالم التي يبايع فيها الناس قياداتهم على تحكيم الكتاب والسنة في كل شؤون الدين والدنيا..
وهي الدولة الوحيدة في العالم التي رايتها كلمة التوحيد..
وهي الدولة التي اختصها الله بأوّل بيت وضع للناس (الكعبة) في مهبط الوحي مكة المكرمة.. ومسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة.
وهذا التكريم من الخالق - سبحانه وتعالى- لا بد أن نقابله بالحمد والشكر.. وأن يكون ذلك بالفعل وليس بالقول فحسب..
ماذا نفعل لكي نشكر بالعمل؟ أعتقد أن الجواب سهل وصعب في آن!!
فأكبر إساءة وجهت للإسلام - في نظري- هي نشر المفهوم الخاطئ لهذا الدين القيم، بأفعال الجهلة الطامحين - من أبنائه- لمقاصدهم الدنيوية المادية.. فضلّلوا الناس بالفتاوى الكاذبة.. ووعدوهم بالجنة إذا قتلوا وانتحروا.. وبالثواب إذا ظلموا.. وبجمع الأموال بكل وسيلة حتى بما حرّم الله.. فجعلوا كل ذلك سلاحاً في يد الأعداء، يروّجونه في وسائلهم الإعلامية للإساءة ظلماً وعدواناً للإسلام.. وهم يعلمون أنه غير صحيح..
من يصحح هذا المفهوم؟ وكيف..
المملكة العربية السعودية -دولةً وإنساناً- هي المؤهلة لذلك..
فما علينا إلاّ أن نكون الأنموذج الذي أراده الله للإنسان المسلم، ولنعمل على تصحيح المفهوم الخاطئ للإسلام بالقدوة الحسنة.. فلنكن نحن القدوة.. في كل ما نفعل ونقول وندعو إليه..
فلنتمثّل بالأخلاق الإسلامية.. والحياة الإيمانية..
فلنصدق مع الله قبل الصدق مع الناس..
فلنؤدِّ جميع حقوق الله قبل حقوق الإنسان..
فلنحافظ على منهج الاعتدال في كل شيء..
ونحترم الأنظمة.. ولنحرص على النظافة..
فلنطوّر بلادنا لتكون من بلدان الريادة في العالم: علماً، وإدارةً، وصناعةً، واقتصاداً، وتقنية..
فلنعد جيشاً دفاعياً قوياً.. ونصنع سلاحنا بأنفسنا..
فلنحرص على الكيف قبل الكم.. وننشد الجودة والتميز في كل أعمالنا.
فلنكرم المبدعين المبادرين المبتكرين.. ولا نترك مجالاً للمتخاذلين الخاملين الانهزاميين..
فلنخدم وطننا.. بحب وطننا.. واحترام وطننا..
إن لم نحترم وطننا فلن يحترمنا الغير.
الإنسان السعودي هو المؤهل اليوم للقيام بدور القدوة والأنموذج للإنسان المسلم المتحضر المؤمن القوي الأمين.
والدولة السعودية هي المؤهلة اليوم لتطوير نفسها لتقود العالمين الإسلامي والعربي، وتصحح المفهوم المغلوط عن الإسلام..
والنظام السعودي هو القادر على أن يجعل من نفسه النظام الأنموذج، للنظام الإسلامي الصحيح الأمثل لكل المسلمين.
الإسلام ينادي.. إن لم نلبِّ.. فمن يلبّي؟!
- بقلم/ خالد الفيصل