فايزة محسن الحربي
حينما بشر هوارد رينجولد بالويب2.0 وتنبأ بظهور مشاريع تعاونية مثل ويكيبيديا، وألف كتابه المعنون بالغوغاء الذكية، كانت تنبؤاتهِ أعمدة أرست قواعدها النظرية في مجال الإعلام الرقمي الحديث، فوضع فروضاً لنظرية مستقبلية تؤكد قدرة الأفراد والجماعات التعاون بينهم لتحقيق أهداف محددة لهم، عبر رسائل إلكترونية متبادلة وتسخير شبكات التواصل
الاجتماعية لذلك، ثم نشر هذه الرسائل عبر المنصات العنكبوتية الاجتماعية ليطلع عليها من يبحث عن معلومات حول هذه الجماعات أو أهدافها، وتختلف أهداف هذه الجماعات إما لدعم الخير أو لدعم الشر، ومن ذلك أمثلة واقعية عربية عايشناها مؤخراً تحققت بها فروض النظرية، كالمطالبات الشعبية بتغيير بعض الرؤساء في بعض الدول العربية، كما حدث من مراسلات على شبكات الفيس بوك وتوتير لإسقاط (حسني مبارك والقذافي... وغيرهما). أو المطالبة بإقالة بعض المسئولين كالوزراء والمديرين بسبب إهمالهم أو عدم قدرتهم على أداء واجبهم، كما حدث لبعض المسئولين بالوزارات والجامعات السعودية. من الجانب الآخر وهو جانب خطير ويخدم الشر بالدرجة الأولى كتنظيم حركات إرهابية مع نشر مراسلاتها حيث تهدف لإسقاط حكومات مستقرة أو لزعزعة أمن دول أو نشر القتل والذعر بين الناس وزرع الفتن وتصعيدها، وهذا ما تقوم به حركات دينية مثل: «تنظيم القاعدة سابقاً وتنظيمات داعش والصفويين من الشيعة الرافضة حالياً».
حقيقة كلام رينجولد منطقي ونظريته جيدة أرى لها حضوراً مستقبلياً قوياً لكن ما أود التلميح إليه، وقد يضاف لفروض النظرية مستقبلاً، «أننا نعيش حالة من «الغوغاء الذكية» كما ذكر رينجولد»، إضافة إلى «الغوغاء غير الذكية أو الغوغاء الاجتماعية»، وربما يمكنني وصفها بالغبية لأنها رسائل يتناولها المجتمع بجهل وعدم وعي في الغالب، هذه الرسائل قد تصدر من جماعات منظمة تستهدف أمن المجتمع الموجهة إليه، بمعنى أنها حرب أمنية فكرية بالدرجة الأولى، وبسبب حماقات بعض أفراد المجتمع يقومون بترويجها ونشرها (بقصد أو من غير قصد)، وفي حال صحتها يتحقق هدف المصدر المروج لها لنشر الزعزعة داخل المجتمع، وفي حال عدم صحتها يساعد نشر هذه الرسائل في إطلاق غوغاء وإشاعات قد تمس أمن المجتمع واستقراره، وهذا يسعد المغرضين ويحقق لهم الهدف المنشود.
هنا تمارس الغوغاء غير الذكية وتسهم في نشر الأفكار المضللة والرسائل غير الهادفة، ثم يقوم أفراد المجتمع بنشرها جهلاً مع اعتقادهم أنها من الممارسات الترفيهية الإلكترونية البريئة، فتدعم الإشاعات وتنشر بسرعة دون إدراك حقيقي بالمخاطر والويلات المترتبة على ذلك.
ونحن كبلد مسلم لديه من الثروات البشرية والمالية الكثير وخصوصاً النفطية منها، نمثل مطمعاً كبيراً للمتربصين والحاسدين، فتجد جماعات دينية طائفية تزرع الأفكار المضللة في أبنائنا لتدفعهم لمحاربة مجتمعهم بحجج واهية لا يمكن زرعها إلا بطرق الطبول على أوتار وأنغام الحور والجنان، في ظل فجوة تربوية ودينية كبيرة يشهدها أبناء المجتمع بسبب تدفق المعلومات الغزير وانفتاح المجتمع على عالم معلوماتي لم نتحصن من شرور تدفقه السريع، فتغلغلت الأفكار بسهولة في أبنائنا وعشعشت في عقولهم لدرجة الانتحار الإرهابي الذي بات يحمل لقب «سعودي» بين دول العالم كمركز أول -للأسف، من الأسباب في ذلك إشكالية كبرى هي أن الآباء السعوديين لم يعتادوا على الأساليب التربوية المنفتحة المرنة التي تغرس وتبني في أبنائها شخصيات واعية وناقدة تستطيع التميز بين مفارق الأمور مع القدرة على الاستفادة من الخيرات المتاحة وصد الهجمات والشرور التي قد توجههم في خضم الحياة المتسارعة، إضافة إلى التمكن من تذليل الصعوبات والتحديات التي قد تصادفهم بوعي وحكمة دون اللجوء إلى أساليب تهدم ولا تبني المجتمع.
من الضروري أن يتبنى المسئولون بالدولة مواجهة هذه الإشكاليات بكل الطرق والأساليب مع إعداد بحوث علمية وطنية تبحث في أسباب هذه الإشكاليات ثم تطرح أفضل طرق العلاج مع عقد اللقاءات والمحاضرات والدورات التي تستهدف الآباء والتربويين بالدرجة الأولى لتوعيتهم بكيفية احتواء الأبناء مع كيفية بناء شخصيات قوية لديهم، تتمكن من تمييز الأمور والفصل بين الحق والباطل كمرحلة أولى.
ثم تستهدف المرحلة الثانية (توعية الأبناء: من بنات وأولاد) مع إشغالهم عقلياً وجسدياً بما يفيد واستيعاب احتياجاتهم المتنوعة، بميزانيات تليق بضخامة أعدادهم في الكثافة السكانية السعودية بما يربو على 60% من السكان هم من الشباب.
ولو تزامنت المرحلتين برفع الوعي «للآباء والأبناء» بالوقت ذاته لكسبنا الحملة التوعوية بشكل أفضل، وحققنا الهدف التوعوي المنشود بوقت قياسي، وحققنا بناءً بشرياً قوياً يتمكن من صد الهجمات الفكرية المضللة، ويستوعي ما يحاك له.