رمضان له خصوصيته لفرض الصيام فيه، واللغويون يقولون : أنه يرمض الصائم حين يحر جوفه، ولشهر رمضان فضائل وخصائص وبركات خصه الله بآيات بينات بين فيها فضل هذا الشهر، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}«1» كما خصه المولى تعالى بليلة القدر، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}«2»، وفي الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) «3»، وقد شغلت أمور الدعوة وحروب الردة الصحابة رضي الله عنهم منذ زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحتى نهاية عصر أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلم يكن رمضان حاضرا في شعرهم بشكل واضح.
وفي سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جمع الناس لصلاة التراويح على إمام واحد، في رمضان من السنة الثانية من حكمه، فالمعروف في سيرة الرسول أنه لم يصلِّ بالناس التراويح إلا مرة واحدة حتى لا يعتقد الناس أن صلاة التراويح واجبة، فمن عصر عمر رضي الله عنه برز دور الشعر في تخليد مظاهر رمضان وروحانيته، إذ قال الشاعر:
جاء الصوم فجاء الخير أجمعه
ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح
فالنفس تدأب في قول وفي عمل
صوم النهار وبالليل التراويح
فالمسلمون يسعدون ويسبشرون خيرا برؤية هلال رمضان وقدومه، ويهنئون بعضهم بعضا، يقول هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة طويلة:
تهن بهذا الصوم يا خير صائر
إلى كل ما يهوى ويا خير صائم
ومن صام عن كل الفواحش عمره
فأهون شيء هجرة المطاعم
وللأمير تميم بن المعز لدين الله يهنئ الخليفة العزيز بالله بقدوم شهر رمضان، فيقول:
ليهنئك أن الصوم فرض مؤكد
من الله مفروضا على كل مسلم
و أنك مفروض المحبة مثله
علينا بحق قلت لا بالتوهم «4»
ويقول الشريف الرضي مخاطبا الخليفة الطائع العباسي:
إذا المرء صام عن الدنايا
فكل شهوره شهر الصيام
وقد جرت عادة الشعراء العرب أن يرحبوا بهلال رمضان ويفتنوا في وصفه، ويعدوه أمارة خير وبشر ويمن وبركة ومن ذلك قول عبدالجبار بن حمديس الصقلي الأندلسي:
قلت والناس يرقبون هلالا
يشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضان
خط بالنور من أوائل اسمه «5»
انظر كيف شبه الهلال في نحافته بمحبوبه، وما هذا إلا لتزينه عنده ومحبته وتفرده عن هلال أي شهر آخر كتفرد وتميز محبوبه عن غيره.
ومن الشعر المعاصر يقول الشاعر السعودي محمد حسن فقي مصورا استبشار المسلمين وسعادتهم بقدوم رمضان:
قالوا بأنك قادم فتهللت
بالبشر أوجهنا وبالخيلاء
لم لا نتيه مع الهيام ونزدهي
بجلال أيامك ووحي سماء
ويقول الشاعر أحمد سالم با عطب:
رمضان بالحسنات كفك تزخر
والكون في لألاء حسنك مبحرُ
أقبلت رُحمى فالسما مشاعل
والأرض فجر من جبينك مسفرُ
هتفت لمقدمك النفوس وأسرعت
من حوبها بدموعها تستغفرُ
ويقول حسين عرب :
بشرى العوالم أنت يا رمضان
هتفت بك الأرجاء والأكوانُ
لك في السماء كواكب وضاءة
ولك النفوس المؤمنات مكانُ «6»
ويصور الشعر العربي بعض مظاهر رمضان وخصوصياته كالفانوس الذي ينبه الصائمين لموعد السحور، وكذلك الحلوى الخاصة برمضان كالقطائف والكنافة، يقول علي بن ظافر الأديب المصري المتوفي سنة 613هـ:
ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه
ولكنه دون الكواكب لا يسري
و لم أرى نجما قبل طلوعه
إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر
ويقول الشاعر المصري الفاطمي ابن نباته في وصف القطائف:
رعى الله نعماك التي من أقلها
قطائف من قطر النبات لها قطر
أمد لها كفي فاهتز كما
انتفض العصفور بلله القطر «7»
وعن مدافع رمضان يقول الشاعر المعاصر أسامة العاشق:
قرعت مدافع صومك الأسماعا
فنهضت أرفض أن أكون متاعا
و فتحت باب القلب أرصد نبضهُ
فوجدت نفسا لا تطير شعاعا
و لا يفوت شعرنا العربي أن يسجل وثائق تاريخية شعرية عن رمضان والأحداث التاريخية التي وقعت فيه والتي من أهمها « غزوة بدر الكبرى «، يقول الشاعر الإماراتي سيف المري أن شهر رمضان يتيه على كل الشهور لأنه متوج بالجهاد ومعركة بدر الكبرى:
يا يوم بدر ما فتئت متوجا
بالمجد في شهر الهدى وسنائه
رمضان يشهد بالمعارك والعلى
ويتيه مفتخرا على نظرائه
شهر الجهاد وشهر كل فضيلة
نسبت إليه فهن من أبنائه
ويقول الشاعر سلطان خليفة الذي يرى أن النصر في «بدر» بفضل قيادة المصطفى عليه أفضل صلاة وسلام:
رمضان رمز للمحبة والعطا
للذكر للإحسان للرحمات
النصر كان ملازماً أيامه
«بدر» يحدثنا عن الغزوات
و المصطفى الهادي يبارك غزوهم
نور من الباري بكل فلاة
كما يستحضر الشعر العربي في رمضان ذكرى مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على يد عبدالرحمن بن ملجم ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من رمضان سنة أربعين للهجرة والتي يذكرها الطبري فيما قاله أبو الأسود الدؤلي:
أ في شهر الصيام فجعتمونا
بخير الناس طراً أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا
وحنسها ومن ركب السفينا
وقد تحدث الشعر العربي عن فضائل رمضان وحكمته وضمن الشعراء بعض المعاني النبوية عن رمضان.
يقول الصاحب بن عباد:
قد تعدوا على الصيام وقالوا
حرم العبد فيه حسن العوائد
كذبوا في الصيام للمرء مهما
كان مستيقظا أتم الفوائد
موقف بالنهار غير مريب
واجتماع بالليل عند المساجد «8»
ومن الشعراء الذين وقفوا مع التراويح محمود عارف وجعل لوحتها ماء يسبح فيه المؤمنون ليزدادوا إيمانا، ويرمز إلى بركة أيامه وليلة القدر فيقول:
فيه التراويح المضيئة مسبحُ
للقلب للإيمان لعمر مرققا
ساعات عمر الزمان مليئة
بالذكر حيث العمرى ومحلقا
ما أجملها من صورة يصور التراويح برياضة السباحة ففيها صحة للجسم، وليس هذا فقط بل للروح أيضا فهي ماء، ومن الماء كل شيء حي ففيها حياة القلوب وصفاء الروح وصحة الجسد.
وفي ليلة القدر يقول الشاعر المصري صلاح عفيفي:
في ليلة القدر الهداية أنزلت
فيها ملائكة السماء تنزلت
يا ليلة عن ألف شهر فضلت
يحلو دعاؤك والقلوب تبتلت
وهنا ألاحظ تضمين معنى الآية الكريمة: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
كما ضمن الشعراء المعاني النبوية الواردة في رمضان وفضل صيامه، فمثلا يقول الشاعر السعودي محمد حسن فقي بألفاظ قريبة التناول سلسة تنساب رقراقة:
وعلى فمي طعم أحس بأنه
من طعم تلك الجنة الخضراء
لا طعم دنيانا فليس بوسعها
تقديم هذا الطعم للخلفاء
ما ذقت قط ولا شعرت بمثله
ألا أكون به من السعداء «9»
فهو يستشعر أن طعم فمه وهو صائم من طعم الجنة الخضراء، ؛ لأنه طعم ناتج عن عمل فاضل يؤدي إلى جنة الرحمن وهو الصيام، فالدنيا لا تستطيع تقديم مثل هذا الطعم للخلفاء فهو من الآخرة أثنى عليه الله تعالى في علاه حتى جعل خلوف فم الصائم عنده أطيب من المسك، كما في الحديث القدسي، ويقول شاعرنا ما ذقت مثل هذا الطعم إلا وشعرت بالسعادة، هي السعادة التي مصدرها الطاعة وامتثال أمر الله بالصيام والحرمان من شهوة الطعام والشراب وكف الجوارح عن ما حرم الله.
ويضمن الشاعر محمود محمد كلزي معنى الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»«10» وأن باب الصائمين في الجنة هو باب الريان، فيقول:
رمضان هل على العوالم جنة
«صوموا تصحوا» يا بني الإنسان
الصوم لي وأنا أجزي به
يا صائما... فادخل من الريان «11»
كما يضمن الشاعر محمود محمد أسد معنى الحديث النبوي: «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش»«12»، فيقول:
فإن الصيام صيام نفوس
عن الموبقات وصد اشتهاء
وليس الصيام امتناع طعام
وشربا وجريا وراء الثراء
وليس اختلافا وحقدا لأمر
سخيف.. أجل فالصيام ارتقاء
ولا يفوت شعراؤنا أن يستهجنوا وينقدوا بعض العادات السيئة في رمضان كالإسراف في موائد الإفطار، يقول معروف الرصافي:
وأغبى العالمين فتى أكول
لفطنته ببطنته انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري
لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم
تكاثر في فطورهم الطعام
أما وداع رمضان فأجده في مثل هذه القصيدة التي يصف فيها الشاعر مآل الناس، وهل ستقبل أعمالهم عند ربهم العظيم؟
أي شهر قد تولى
يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه
بدماء لو عقلنا
كيف لا نبكي لشهر
مر بالغفلة عنا
ثم لا نعلم أنا
قد قبلنا أم حرمنا
ويقول أحمد شوقي مصورا حال بعض الناس في وداع رمضان حيث يشتاق للمعاصي والأهواء فقد ولى رمضان، فيقول:
رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
** ** **
(1) سورة البقرة، الآية 185
(2) سورة القدر، الآية 3
(3) متفق عليه
(4) الأغاني، ج6، لأبي الفرج الأصفهاني
(5) الأمالي، ج2، لأبي علي القالي.
(6) رمضان في إبداعات الأدباء، محمد عمر
(7) مجلة المعرفة السورية العدد 123 عام 1975م (بتصرف يسير، من موقع صحيفة الفداء، حماة، سورية، السبت 5-9-2009م)
(8) الأمالي، ج2، لأبي علي القالي.
(9) قرة العين في رمضان والعيدين، د، علي الجندي.
(10) متفق عليه
(11) مجلة قافلة الزيت رمضان 1393 مجلة (المنتدى) الإماراتية، المجلة العربية السعودية وبعض دواوين الشعراء
(12) رواه الدارمي
- ابتسام عبدالله البقمي
omfasil@hotmail.com