الفقيد.. من رواد الحركة التأسيسية للإذاعة السعودية.. ولا أنسى مقولته الشهيرة (العلم لا يرتبط بسن).!! ">
إشارة إلى ما نُشر في الصفحة الثقافية بالعدد رقم (15599) الصادر في تاريخ 14 يونيو (حزيران) 2015م، تحت عنوان: «ورحل الإعلامي والأكاديمي بدر كرّيم (1355-1436هـ)».. تناولت - مشكورة - وفي قالب وفائي جانباً من سيرة ركن من أركان الإعلام السعودي.. وصوتاً ذهبياً للإذاعة الوطنية في الزمن الجميل.
وتعليقاً على رحيل الأسطورة الإذاعية (أبي ياسر) أقول ومن نافلة القول: إن الحركة الإعلامية والثقافية بالمملكة العربية السعودية فقدت أحد رموزها الكبار وروادها الأفذاذ الذين ساهموا بخدماتهم الجليلة وأدوارهم البارزة وتضحياتهم الجسيمة في دعم الحركة التأسيسية للإذاعة السعودية قبل ما ينيف عن نصف قرن من الزمن.. وممن وضعوا أسس العمل الإعلامي المسموع.. وصناعة فن إذاعي متقدم منذ الانطلاقة الأولى للإذاعة الوطنية في حقبة الستينيات الميلادية من القرن الفائت.. إنه رائد الحركة الإذاعية السعودية الدكتور بدر بن أحمد كريم الذي وافته المنية صباح يوم السبت الماضي إثر مرض عضال عانى منه.. لم يمهله طويلاً.. فغادر - يرحمه الله - هذه الدنيا الفانية بسيرة نيّرة.. وسمعة عطرة.. تغمده الله بواسع رحمته.
* بدأ فقيد الإعلام السعودي الدكتور( بدر كريّم) حياته العملية في مجال الإعلام المسموع.. مذيعاً في الإذاعة السعودية، وتحديداً في مرحلة البناء والتأسيس للإعلام الرسمي.. كان شاباً يافعاً يملؤه الطموح مدعوماً بموهبته الفطرية.. لم يكن يتجاوز سن الـ18 عاماً آنذاك، ثم (معداً ومقدماً) للبرامج التلفازية والإذاعية.. حيث كان -يرحمه الله - يملك في حقيبته الإعلامية حساً مهنياً ومخزوناً ثقافياً وفكراً شمولياً، وقيماً تربوية ولغة سليمة.. ساهمت في اختصار زمن ومسافة احتلاله للمواقع القيادية بكفاءته العالية وقدراته الإعلامية البارزة.. فبعد نجاحاته المهنية وبروز اسمه عبر أثير الإذاعة الوطنية في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات الهجرية، وتكليفه بمتابعة النشاطات الإعلامية الرسمية لجلالة الملك فيصل - طيَّب الله ثراه - في زياراته لبعض دول العالم على مدى أحد عشر عاماً، عيّن في مطلع الثمانينيات الميلادية مديراً عاماً للإذاعة السعودية.. وبعد أن ترك بصماته المهنية البارزة في مسيرة الإعلام السعودي المسموع.. ودوره الريادي في صناعة فن إذاعي متقدم.. عُيّن مديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية (واس)، وكانت (واس) وقبل ما ينيف عن ثلاثة عقود زمنية مشلولة الحركة في الاستجابة السريعة مع الأحداث العالمية والاتصال المستمر والتفاعل بمهنية عالية مع ما يدور في فلك العالم، حيث كانت آنذاك الإمكانيات المادية والبشرية والفنية لا تسمح لها بالعمل على مدار الساعة.. وكانت تعمل فقط ست ساعات يومياً..! وبعد أن تقلد الرمز الإعلامي الراحل منصب القيادة في (واس) تحوّلت بالإدارة الواعية والإرادة القوية.. إلى خلية نحل لا تهدأ ولا تستكين.. تعمل 24 ساعة يومياً.. رغم قلة العدد والعدة ولكن روح العمل الجماعي وحسن الإدارة الاحترافية وقوة العزيمة.. تصنع المستحيلات وتلين الصعوبات.. واستمر صاحب الصوت الذهبي للإذاعة السعودية في العمل داخل دهاليز الإعلام الرسمي إلى أن ألقى عصا الرحال عام 1418هـ مودعاً الإعلام الرسمي بقنواته الثلاث الإذاعية والتلفازية ووكالة الأنباء السعودية.. ومتفرغاً في نقل تجربته الرصينة (العملية والعلمية).. للأجيال من خلال إصداراته الثقافية، ومؤلفاته التاريخية، ومشاركاته الأكاديمية والتنويرية في بعض الجامعات والمؤسسات الثقافية والأدبية.
* عاصر فقيد الإعلام السعودي (بدر كريّم) وخلال فترة عمله داخل الوزارة العريقة في الإعلام السعودي.. خمسة وزراء إعلام، هم: الأستاذ جميل الحجيلان أول وزير للإعلام الذي تسلم منصبه بالأمر الملكي الكريم عام 1383هـ، ثم الأستاذ إبراهيم العنقري الذي شغل هذا المنصب الوزاري عام 1390هـ، ثم الدكتور محمد عبده يماني الذي عُيّن وزيراً للإعلام في عام 1395هـ، ثم الأستاذ حسن الشاعر الذي شغل منصب وزير الإعلام عام 1403هـ، وأخير الدكتور فؤاد عبد السلام فارسي الذي عُيّن وزيراً للإعلام عام 1416هـ، وهؤلاء الوزراء كسب ثقتهم واحترامهم واهتمامهم بكفاءته الإدارية والمهنية والقيمية.. والكفاءة أحد معايير القبول الاجتماعي.
* عرفت فقيدنا الغالي (أبا ياسر).. هذه القامة الإعلامية السامقة عن كثب، وتحديداً قبل سبعة أعوام، وتشرفت بأن أكون أول إعلامي يجري معه - يرحمه الله - لقاءً تاريخياً مطولاً على جزأين في صحيفة الجزيرة تناولت سيرته العلمية ومسيرته الإعلامية، وحياته الاجتماعية ومواقفه وذكرياته مع الملك فيصل - رحمه الله - التي رصدها في بطن كتابه التاريخي الثري (سنوات مع الفيصل) بعد أن لازم الملك الراحل سنوات عدة, ولُقب آنذاك بـ (صوت الفيصل الناطق)..!.. سيرة ومسيرة كانت بالفعل عامرة بالنجاح والكفاح والعصامية - كنموذج استثنائي - استطاع أن يتوّج مسيرته التعليمية بالحصول على شهادة الدكتوراه في الإعلام من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
بعد تقاعده من العمل الرسمي في عقده السادس..! مؤكداً أن مرحلة التقاعد ليست نهاية المطاف عند أصحاب الهمم والإرادة الفولاذية.. بل انطلاقة حقيقية لاكتشاف طاقة الرغبة والدافع والحافز للبناء الفكري، والإثراء المعرفي.. ليثبت في هذا السياق أن العلم لا يرتبط بسن معينة وأن الطموح ليس له سقف...! كما تشرفت بقيام الإعلامي الكبير بدر كريّم.. - يرحمه الله - بتحكيم استبانة رسالتي العلمية إبان دراستي العليا في جامعة الملك سعود بقسم الدراسات الاجتماعية.. قبل أربعة أعوام.. واستفدت من مدرسته الإعلامية المستقلة في كثير من الجوانب المهنية والعلمية والأخلاقية.. فكم كنت محظوظاً بمعرفة رمز من رموز الحركة الإعلامية والثقافية في وطننا الغالي الذي تعلمت في فصول مدرسته الإعلامية والاجتماعية والأكاديمية والتربوية الشيء الكثير والكثير.. فرحمك الله يا (أبا ياسر) رحمة واسعة..كم كنت صاحب قيم وعطاء ووفاء ومبادئ وشهامة وخلق رفيع مع الصغير والكبير..فأكسبتك محبة الجميع.
خالد الدوس - باحث اجتماعي
kaldous1@