أكرم خوجة ">
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مكوناً مهما من مكونات حياتنا الاجتماعية والأسرية لا يستطيع معظمنا - إن لم يكن جميعنا - الاستغناء عنها. وأدمنت جميع الفئات الاجتماعية تقريباً، بصورة أو بأخرى تلك الوسائل مثل «تويتر « و»فيسبوك» و»إنستقرام» وغيرها من التطبيقات التي يطلق عليها «اجتماعية» ولكنهم نسوا الاجتماعيات الحقيقية مثل تبادل الزيارات واللقاءات العائلية والأسرية، فأصبح كل فرد من أفراد الأسرة منهمكاً في ذلك العالم الافتراضي، مشغولاً بالتواصل مع أشخاص يعرفهم أو لا يعرفهم، يرصد لهم أنشطته اليومية، ويبدي آراءه في مختلف القضايا التي تهمه بالدرجة الأولى، حيث يعتبر الكثير من الناس هذه المواقع منبراً للتنفيس عن الضغوطات اليومية التي يتعرضون لها.
وبسبب هذه المواقع، أصبح الفرد انطوائياً منعزلاً عن المجتمع لا يتواصل مع أسرته أو أقاربه. وإن تواصل معهم، يكون ذلك أيضاً عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. وبسببها أيضاً غابت قواعد وأصول الحوار الجيد، وانتشر النقد الهدام، والسباب، والكثير من السلوكيات السلبية الأخرى التي تدخل في نطاق الشتيمة والخوض في أعراض الآخرين، وأصبحنا نسمع عن الكثير من الجرائم الإلكترونية التي تتضمن سباباً وشتيمة من حسابات لا تعرف أو نسيت قواعد وأصول الحوار. وإذا ما تعرض أحدهم لقضية مثيرة للجدل، سرعان ما تجد العشرات يتدخلون ويبدأون بالسب والقذف من دون سبب سوى الاختلاف في الرأي. وقد تعرضت إحدى زميلاتي مؤخراً لهجوم شنيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمجرد أنها انتقدت ذلك الرجل الذي صفع إحدى السيدات في جدة، وهاجمتها العديد من الحسابات بألفاظ جارحة وبذيئة لا تمت بأي صلة للقيم والمبادئ والأخلاق الحميدة التي تربينا عليها.
ومن الظواهر السلبية لتلك المواقع أيضاً الانطوائية والانعزال عن المجتمع، فقد باتت تلك التطبيقات تشغل بال وتفكير جميع الأفراد في المجتمع، وكثيراً ما نرى في المجالس العائلية كلٌ جالس في مقعده يتفقد حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ويتجاهل الحديث مع أفراد أسرته. حيث ينطوي اجتماعياً عن أسرته ممسكا بهاتفه النقال ويتواصل بدون توقف مع أصدقائه وزملائه ويغوص في ذلك العالم الافتراضي وينسى أهمية التواصل والحديث مع الذين من حوله. لا نستطيع أن ننكر بأن قواعد البرتكول الاجتماعي مهددة بالانقراض مع تزايد مؤشرات الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن الظواهر المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي كذلك، امتلاك الكثير من الأشخاص عدة حسابات وهمية، يمثل كل منها إحدى جوانب شخصية الفرد فأصبحت هناك إزدواجية حتى في الشخصيات الافتراضية، فعلى سبيل المثال تجد شخص ما لديه حساباً يستخدمه في التعليق بأسلوب كوميدي ويشارك مع أصدقائه الافتراضيين ومتابعيه، اللقطات الطريفة والمواقف الكوميدية التي يتعرض لها يومياً. وتجد نفس الشخص يمتلك حساباً آخر يستخدمه للترويج عن أحدث المنتجات والتقنيات، ويشارك بتعليقاته وتجاربه الخاصة. فأصبح الفرد يتخفى في ظل شخصيات مختلفة للترفيه عن نفسه والتنفيس عن آرائه. وأصبحت تلك المواقع تأثر سلبيا على نفسية الفرد، حيث الجلوس طويلاً أمام تلك المواقع الإجتماعي يسبب اكتئاباً وحالة من الإدمان لدى الفرد.
كل فرد فينا بحاجة إلى إعادة النظر في الاستخدام المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي حتى لا نقع في حفرة الإدمان التي سيكون من الصعب الخروج منها. وهنا يأتي دور الأهل والمدرسة في التوعية بخطور الإدمان على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وعلينا في نفس الوقت أن نوازن بين إيجابيات وسلبيات تلك المواقع، لكي نتجنب السلبي منها، ونستفيد من الإيجابي مثل الصفحات التي تساعد في الأمور الحياتية اليومية مثل تربية الأطفال أو تعلم مهارات جديدة، وتلك الحسابات التي تقدم أفكاراً إيجابية تساهم في إحداث تغيير إيجابي في المجتمع. كما لا نستطيع أن ننكر أن تلك المواقع تساهم في إبقاء الأقارب والأصدقاء الذين يعيشون في أماكن بعيدة عن بعضهم البعض. ولكن يبقى السؤال، هل حياتنا الاجتماعية في خطر بسبب مواقع التواصل «الاجتماعي»؟ وهل حلت تلك الوسائط محل الزيارات الاجتماعية والأسرية؟ وهل انعدم التواصل بين الناس والحوار بسببها؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى أن نناقشها قبل فوات الأوان.