يوميات امرأة وحيدة ">
في رحلة بعيدة وفي مكان قصي كنت في المقهى أحتسي قهوتي وأمارس هوايتي المفضلة في استراق النظر في أيام الغربة.. وتأمل وجوه العابرين, والمحبين تحديداً..لا شيء في الواقع أجمل وأنكى من منظر المحبين..!
أخبرتني صديقتي ذات يوم بأنها تشعر بالحزن والحسرة أما أنا فيروقني أن أراهم سعداء فرحين.. ولا يغيظني هذا الذي يسكن أحداقهم فقط أتابعهم بلذة وسعادة غامرة.
ما لفتني في ذلك اليوم هو ذو الملامح الحادة، وفي عينيه بريق عبقرية وذكاء.. يبرزها لون شعره الذي يشبه لون القهوة السوداء التي يحتسيها, كان منهمكا في قراءة إحدى الصحف التي يقدمها المقهى للزبائن, وعلى طاولته كتاب مهمل يبدو بأنه قد جاء به معه ..كنت أسأل نفسي.. شاب وحيد ومثقف؟!
مضت قرابة النصف ساعة وأنا أنتظر تلك الفتاة الغبية التي تترك حبيبها في المقهى وحيدا.. يقلب بصره في الجرائد وصفحات المجلات, وعندما فقدت الأمل في أن أراها قررت الخروج.. ولكنني لحظة وقوفي من على الكرسي لمحت فتاة ذات وجه طفولي بريء وعينان حائرتان تقف على بوابة المقهى, تبحث عن احدهم.. “ لا شك بأنها تبحث عنه “ قلت لنفسي, وجلست على الكرسي من جديد فيما يشبه الهبوط الاضطراري لكي أراقب ما سيحدث.. وبالفعل لقد شقت تلك الفتاة طريقها نحوه باندفاع ورشاقة وكأنها ملاك صغير متنظر..
سحبت كرسيا وجلست بهدوء.... كانت تميل برأسها وكتفيها نحوه وهي تحرك شفتيها المرتعشتين بكلام لم أستطع قراءته .. ويبدو بأن وجودها لم يكن ليحرك ساكنا.. كانت شفتاه تتحركان دون ان يلتفت او ينظر اليها .. كان يجيب باقتضاب وقد قطب حاجبيه أيضا.. ولكنها بنعومة أنثوية وضعت يدها على الطاولة.. وضغطت عليها بشدة.. كانت يده كسمكة ميتة لا تستجيب للمسات كفها الحانية..كانت تقرب وجهها منه كطفلة تحدثه بعينيها ولكنه أشاح بوجهه بعيدا
لم تلبث الفتاة اكثر من ذلك.. فخرجت من المقهى كما دخلته باندفاع والدموع تتساقط من عينيها كما تتساقط حبات المطر من غيمة حزينة....
أما هو.. وسرعان ما توارت عن أنظاره.. حتى طوى صحيفته ليضع رأسه على الطاولة ..كانت أذناه مشتعلتان بالحمرة.. وعروق عنقه تكاد تنفجر...
لم تمر سوى دقائق قليلة ..حتى رفع رأسه متثاقلاً.. وغادر المقهى يجرجر خُطاه بتعب..
أما أنا فبقيت أسأل نفسي..
“ لماذا؟ “
- حنان الحربش