د. يوسف خالد جنينة ">
الدالوة والقديح والعنود.. ثلاث جرائم آلمتنا، وآلمت كل ضمير حي في العالم؛ لأن الضحايا هم من أبناء الوطن، والأنفس البريئة أُزهقت وقت صلاة الجمعة، في بيوت الله، استهدفت مئات المصلين، في عملٍ لم يراعِ حرمة الزمان أو المكان، ولا يتفق مع أبسط معاني الإنسانية.
كم هو صعب على الإنسان - مهما كان دينه - أن يرى هذه الفواجع الثلاث دون أن يُصاب بحزنٍ عميق في داخله، خصوصاً أن هذه الجرائم ضربت جسد الوطن الطاهر في فارق زمني بسيط، رغم اختلاف مكان الاستهداف، سعى منفذوها من خلالها إلى ضرب الوحدة الوطنية من جذورها، وهز الوطن، وإشعال فتيل الفتنة عبر بث روح الفرقة والانقسام على أساس طائفي بين أبنائه.
ورغم بشاعة الجريمة، فقد مُني منفذوها بخيبة وفشل ذريع، وعادوا يجرون أذيال الخزي والهزيمة؛ فالمواطن أثبت أنه يملك وعياً وحساً وطنياً عالياً، إذ قابل هذه الجرائم بمزيد من التكاتف والتلاحم، ولا أصدق مثالاً من ذلك إلا المشهد المهيب الذي صاحب كل جريمة من تشييع مئات الآلاف من المواطنين لشهداء الجرائم الإرهابية.
لقد خرج أبناء هذا الوطن من أقصاه إلى أدناه بهذا المصاب وهم أكثر صلابة، رافضين أي تحريض مذهبي كان أو طائفي، يعيشون سنّة وشيعة على هذه الأرض جنباً إلى جنب دون تفرقة، ومؤكدين على جهود الملك المؤسس وأبنائه في ترسيخ الوحدة والجمع بين مكونات الشعب السعودي بكافة أطيافه.
إننا نقف اليوم أمام مشروع منظم يخالف ما يأمرنا به ديننا الحنيف، وفكر ضال يبيح دماء الأبرياء، هدفه الرئيس خلق فتنة طائفية وإشعال فتيلها، بل وتأجيج نيرانها، عبر فتية غرر بهم، لُوثت عقولهم بالفكر المذهبي التكفيري، فكانوا أداة لتنفيذ الجريمة لا أكثر.
الأهم من ذلك كله أن نتصدى لدعوات التحريض التي تتربص بنا، فمثيرو الفتن لا بد من إسكاتهم، وإسكات كل صوت يدعو للتعصب والكراهية؛ فالوطن هو كلٌ لا يتجزأ، وكيان لا يُمكن تفكيكه والتأثير على وحدته، والآمال معقودة على أبنائنا أن لا يزيدهم هذا العمل الإجرامي المتجرِّد من الدين والعقل إلا إصراراً على مواجهة الفكر التكفيري الإرهابي، ونبذ الخلافات الطائفية، والحفاظ على وحدة الوطن وسلامته، وضبط النفس، والابتعاد عن براثن الفتن.
أما القتلة الحقيقيون، ومن يقف وراء هذه الجرائم، فالدولة لم تتوقف جهودها يوماً عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم، والبرقية التي وجّهها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - لولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف خير شاهد على ذلك، حيث شدد على أن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع الجرائم الإرهابية سيكون عُرضة للمحاسبة والمحاكمة وسينال عقابه الذي يستحقه، وكلنا ثقة بأن دماء الشهداء لن تضيع في عهد سلمان الحزم.
رحمَ الله من سقط شهيداً.. وحفظَ وطننا من كل مكروه.. وجعلَ الله أحزان العنود آخر الأحزان.