هياء عبدالله الدكان ">
بلغت الثمانين واحدودب منها الظهر وخطَّ الزمن أخاديد تبرهن على تعاقب المواسم والأيام، ومع ذلك تراها ملاصقة لشريك عمرها الشيخ المسن، تقاسمه أفراح العمر وأتراحه، تنعش أيامه وتبثه أحاديث الصبا وذكريات الماضي، فقد كفّ بصره ولم تعد صحته كالسابق وأصيب بجلطة فلم يعد يتحدث إلا بصعوبة، الجميل في الشريكين أنهما لا ينامان ولا يهدأ لهما بال إلا إذا كانا بقرب كل منهما من شريكه واستدفأ كل منهما بالآخر وشعرا بقربهما بالأمان من غفوات الليل، يضع يدها في يده وكان هذا عهده معها حتى في شبابه وصحته فيطيب لحديثها وكلماتها العذبة في التهلي والترحيب والابتسامة التي لا تفارق شفتيها كان وكانت، كان شخصاً وسيماً لماحاً وكانت هي بسيطة ليست ذات جمال لكن العبرة بلسانها المقطر بالشهد، حيث كان ينساب من بين شفتيها بالكلمات الجميلة والدعاء المعطر والحروف العذبة كالماء الزلال، لقد عرفت بذلك فأصبح الكل يصفها بذات اللسان العذب، وكان شريكها يصفها بذلك، بل يصف لسانها وعذوبته كل من يعرفها حتى ضيوفها يستأنسون بها، كبرت وكبر وما زالت هي هي لكنه تعلّق بها أكثر ولم يعد يصف حتى لبناته اللاتي يجلسن معه حتى تأتي أمهن من مناسبة أو زيارة ويجلس يئن ويئن حتى تأتي الحنون صاحبة الكلمات الحِسان فيتهلّل وجهه منذ أن يسمع صوتها الساحر، عندما يشتد تعبه ويتأوه من وجعه كانت تمسك بيده وتضغط عليها باحتضان المحب الرحوم فيسكن وينام، وفي المرة الأخيرة لشريك العمر وساكن قلبها ورفيق دربها الطويل اشتد ألمه لدرجة فقد فيها إحساسه بمن حوله وكانت هي القبضة الأخيرة التي تحتضن يمينها يمينه الباردة وكان الوداع.
رحل الوفي، رحل العشير المحب، رحل الأب والأخ والزوج، وهي لا تزال قابضة على يده وهو قابض بقوته على يديها وتبكي فقد عرفت أنه الرحيل.
كم من زوج وزوجه تمر بهما الأيام والفجوة بينهما تتسع ولا يعلمان لماذا ولا يحاول كل منهما التقرّب للآخر وكأن الحياة عربة في قطار مؤقت وحتماً ستقف يوماً ما وسينزلان لكن كل على حدة، وكأنه ليس بينهما عمر طويل فما الذي يمنع أن يبادر أحدهما ويستخدم الكلمة الطيّبة والابتسامة العذبة ويستمر ويصبر مؤكد سيجد وستجد النتائج، بل سيؤجر وستؤجر، فالحبيب صلى الله عليه وسلم قال في التبسّم صدقة وطلاقة الوجه.. معروف عظيم.. وكيف بالرجل مع زوجته، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا وبالرفق بهن، وخيركم خيركم لأهله وكان هو قدوة صلى الله عليه وسلم وهو خير الناس لأهله فرقق قلبك لشريكتك وضع لها أجمل ما لديك، ورققي قلبك لشريكك وتوددي له وليني حديثك معك وأمطريه بالدعوات في حضوره وغيابه والله معكما يسمع تحاوركما ويبارك ويوفّق ويسدّد لتسعدا.