د. أحمد بادويلان ">
كثير من محبي الخير عندما ترق قلوبهم وتهفو إلى عمل الخير والبذل والعطاء يقومون بإعطاء ما كتب الله من خير إلى الجمعيات الخيرية أو أئمة المساجد أو بعض من هم أهل للثقة، طالبين منهم توزيع تلك الأموال أو الأعيان على الفقراء والمساكين .. وهذا عمل جيد يشكرون عليه مع الدعاء بأن يقبل الله عملهم هذا ويجعله خالصاً لوجهه، لكن ماذا لو قام هؤلاء الأعزاء بالبحث عن الفقراء والمساكين وزيارتهم في منازلهم للتخفيف عنهم بالكلام الطيب والمال والابتسامة والدعاء وسماع أدعيتهم وهي تنطلق من أعماق قلوبهم لهم بأن يجزيهم الله خير الجزاء على ما قاموا به.
اعتقد أن تلك الخطوة لو تمت لكانت لها آثار طيبة وعظيمة.. أولها ملامسة هموم تلك الفئة من الناس مباشرة وتفقد أحوالهم، ففي ذلك ترقيق للقلوب وتفكير بالنعم الكبيرة التي ينعم بها، فيكون مدعاة لشكر الله والثناء عليه، كذلك يكون البذل والعطاء أكثر سخاء.. كما أنهم سوف يطمئنون بأن ما قدموه من مال كان في مكانه ووصل لمستحقيه وثانيها الأجر العظيم الذي سيجدونه عند الله على عملهم هذا وكذلك المتعة العظيمة والسعادة الغامرة التي يشعر بها الإنسان وهو يقوم بهذا العمل الجليل .. فلا تحرموا أنفسكم من المتعة.. وقد كنت ذات يوم في أحد مساجد الرياض وبعد أداء الفريضة قام أحدهم متحدثاً وكنت أظنه أحد أولئك المفوهين الذي ما أن يتكلم حتى تظن أنه سيلقي خطبة عصماء، فإذا هو متسول بارع في الخطابة، يحمل وثائق مزورة يستجدي أهل الخير مد يد العون له.. لكن ذلك الرجل ألقي كلمة بليغة جداً واستطاع أن يصف حال أسرة فقيرة تتكون من أحد عشر فرداً تسكن في غرفة واحدة يعشش فيها الحزن والكآبة والفقر والمرض.. وكان وصفاً بارعاً اعتقد أنه من خلاله استطاع أن ينقل جميع من كان في المسجد إلى تلك الغرفة بما رسمه من صور ببراعة ودقة يتفاعلون تماماً مع مأساة تلك الأسرة.. وأجمل ما في ذلك الرجل أنه قال إنني لا أريد منكم أن تقدموا لي الأموال لأقوم بإيصالها لتلك الأسرة ولكن أريد منكم أن تزوروهم.. ومن يرغب في ذلك فإنني سوف أعلق (كروكي) بالموقع في لوحة الإعلانات بالمسجد.. وقدموا ما لديكم لهم مباشرة.. وتحدث عن فوائد الخطوة في الدنيا والآخرة.. واعتقد أن كثيراً من المصلين قد أدار سيارته فوراً وتوجه إلى تلك الأسرة البائسة التي سخر الله لها ذلك الرجل الطيب الذي نقل همومهم بأسلوب رائع ومؤثر.. فهنيئاً له وهنيئاً لأهل الخير أعمالهم الطيبة وليتنا نعمل مثلهم ونزور فقيراً حتى لو في الشهر مرة واحدة.