خالد بن عبد الله الغليقة ">
بعد وفاة الملك عبد الله - رحمه الله - بُويع أخوه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكاً وخادماً للحرمين الشريفين. قد يمر هذا التعيين على كثير من الناس دون قراءة عميقة لخلفياته، ومن دون نظرة بعيدة لأبعاده.
في نظري أن مما يجب أن يتنبه له، ومما ينبغي أن لا يمر على المسلمين داخل المملكة وخارجها من دون قراءة عميقة ونظرة بعيدة لمثل هذه المبايعة، وهو فيما أرى أنه كم من دولة اختل توازنها بوفاة أحد أركانها، ولم تستطع إقامة ركن آخر مكانه، فصارت على جرف هار فانهار بها في قاع تاريخ الدول والملوك!
وكم من دولة تخلخلت سيادتها بعلة فقْد أحد أعمدتها؟ لم يكن يمقدورها تعيين من يخلفه ويسد الفراغ الذي تركه، فصارت كقدح الراكب بين الدول لا يُؤبه بها..
وكم من كيان في تاريخ الدول والحكومات فقدَ زعيماً من زعمائه، وأحد بُناته فعجزت تلك الدول والحكومات عن تعويضه فصارت أثراً بعد عين، وجزءاً من التراث.
إن القصد من القراءة العميقة، والنظرة البعيدة المطلوبة في أول المقالة هو تجاوز المادة التي استند إليها، واللائحة التي بُني عليها - وإن كانت مهمة - لكن الأهم ما هو أبعد وما هو أعمق، وهو أن نتذكر أن ما حصل من سلاسة انتقال السلطة إلى أحد أركان الحكم، المعروف عنه الاستقامة وما صار من يسر في تعيين رجل من رجال الدولة مشهود له بالكفاءة والحنكة السياسية، فهذه السلاسة، وذاك اليُسر هو نعمة من الله كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} (53) سورة النحل، وهو نعمة على الإسلام والمسلمين، ونعمة على العقيدة الصحيحة، ونعمة على الأمن والفكر الصحيح.
وهو نتيجة حتمية لأثر العقيدة الصحيحة والدعوة الحقّة، ولوجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثر لخدمة الإسلام والمسلمين من قِبل الدولة والناس، وهذا جميعه من الاستغفار الذي يرفع الله به العقاب عن الناس كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33) سورة الأنفال.
فمن العذاب والعقاب أن لا يتم هذا الانتقال للسلطة بسلاسة، ولا يحصل التعيين بيسر. بل إن الله سبحانه وتعالى في الآية التي قبلها جعل ذلك نتيجة لكثرة المستغفرين في المجتمع؛ فكلما كثروا فبقدر ذلك يرفع الله عن المجتمع والدولة العقاب، وينالون الخير والنعيم، والذي منه سلاسة هذا الانتقال ويسره كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} (33) سورة الأنفال.
والعلماء وطلبة العلم هم ورثة الأنبياء، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لزينب بنت جحش لما سألته: أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: (نعم، إذا كثر الخبث) فالخبث لا يمكن أن يكثر إلا بأناس يعتقدونه أو يفعلونه أو يقولونه أو يكتبونه، فإذا كثروا في المجتمع، فبقدر كثرتهم يحل الهلاك على جميع الأصعدة السياسية والسيادية والأمنية، وعلى صعيد رغد العيش ورفاهيته.
وقال سبحانه وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} (سورة نوح 10 - 12)، من خلال هذه الآية نقول: لا يمكن أن تتم نعمة الأموال والبنين إلا بوجود أمن واستقرار، ولا يمكن أن يحصل ذلك من دون اجتماع، ولا يمكن أن يحصل الاجتماع إلا بإمارة، ولا إمارة بلا أمير متفق عليه، لا ينازعه منازع، ولا يمكن أن يقوم أمير متفق عليه لا ينازعه منازع إلا بتوفيق من الله ونعمة منه سبحانه، والتوفيق والنعمة لا يحصلان إلا عن طريق الاستغفار، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} (129) سورة الأنعام، وأعظم الظلم الشرك بالله كما قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام، وبهذا نعلم أهمية العقيدة الصحيحة والدعوة إليها، على أمن الدولة والناس.
فأي خلل في ذلك فنتيجته الحتمية وأثره الحتمي اختلال أمن الناس والدولة، وبهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (إن مصير الأمر إلى الملوك ونوابهم من الولاة؛ والقضاة والأمراء، ليس لنقص فيهم فقط؛ بل لنقص في الراعي والرعية جميعاً؛ فإنه (كما تكونون يُولى عليكم) وقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} (الأنعام، 129).