عقيد (م )/ محمد بن فراج الشهري ">
في خضم الأحداث الجارية على الساحة العربية والإقليمية والدولية انبرت كثير من القنوات الفضائية في تقديم أشخاص يقومون بمهمة التحليل العسكري والسياسي والاستراتيجي في آن معًا على الأحداث الجارية حتى انقلب الموضوع إلى فوضى تحليليه ابتكرتها القنوات الفضائية كل على طريقته.. والحقيقة أن أكثر المتحدثين في مثل هذه الأمور لا يعلمون عما يتحدثون فبعضهم يوصف بالباحث الاستراتيجي والآخر محلل سياسي وآخر محلل عسكري والبعض يرى أنه يتوه فيها كلها.. المعروف ياسادة أن المحلل العسكري يختص بتحليل الأمور العسكرية ولا شأن له بأمور سياسية أخرى وتحليله ينصب على مجريات العمليات الميدانية وهناك محلل في أرض العمليات ومحلل خارج العمليات يستقي معلوماته من محلل العمليات الميدانية التي تقدم له المعلومات عن طريق إدارة العمليات وإدارات الاستخبارات العسكرية, وهم ضباط متمرسون على هذا العمل وليس كل الضباط محللين أو مخططين بل إن ذلك يقتصر على ضباط الخطط والعمليات والاستخبارات ولهم فيها أساليب متعددة, وعند تحليل العمليات الميداني يأتي كل ركن لتحليل مهمته الموكلة إليه إلا أن الملاحظ في ظهور كثير من المحللين الذين يخلطون بين التحليل العسكري الميداني والتحليل الإعلامي والسياسي ويدخلون شعبان في رمضان بدون دراية أو معرفة عملياته مسبقة.. ضباط الخطط والعمليات والاستخبارات يحصلون على دورات متعددة للوصول إلا تحليل العمليات ابتداء بالدورات التأسيسية ثم المتقدمة ثم التخصص ثم الأركان ثم أركان حرب وهكذا وليس كل من أفتى بمحلل عسكري هذا في الجانب التحليلي العسكري, أما بشأن التحليل السياسي فله مختصين والذي اعرفه أن يكونوا من تخصص (العلوم السياسية والعلاقات الدولية) وهو تخصص معقد لأنه يتناول قضايا وإشكالات تعد أكثر تعقيدًا, نظرًا لتعدد العوامل المؤثرة والأطراف المساهمة فيها, ولذلك من يقوم بالتحليل السياسي أو العسكري من غير أصحاب الاختصاص كمن يقوم بالفتوى وهو غير مؤهل, لذلك فشتان بين التحليل العسكري وبين التحليل السياسي وبين التحليل الاستراتيجي وكل له قواعده وأصوله المعروفة لدينا نحن العسكريين ولدى خريجي أقسام العلوم السياسية والعلاقات الدولية, والملوم في هذا الأمر هم أصحاب الاختصاص الذين لا نراهم إلا قلة وتركوا المجال لمن ليس لهم علاقة بهكذا أمور.. حيث انه بمجرد ظهور خبر أو صدور قرار رسمي خاصة القرارات ذات الطابع السياسي نجدالعديد من التحليلات والتفسيرات التي يعتمد معظمها على التخمين والتذاكي والاجتهادات الشخصية, وقد ساعد على هذا الوضع ما توفره مواقع التواصل الاجتماعي من بيئة دافعة ومحفزة للمشاركة السياسية أما العسكرية فقد استمعت إلى كثير من المحللين لا يعرفون الفرق بين الكاتوشيا والمورتر والهاون أو الميم 90 والكلاش وحرب الاستنزاف وحرب العصابات وحروب الجبال وحروب الصحراء وحروب المناطق المبنية وكثير من الأمور التي يخلط فيها بين ماهو عسكري وماهو سياسي أو استراتيجي والمواطن أصبح على مستوى عالٍ من الوعي والفهم ويعلم مايدور حوله ويقيم مايراه بنظرة تعد أحيانا أفضل من نظرة المحلل لذلك أقول أن القنوات الفضائية وقنوات الاتصال قد ارتكبوا كثير من الأخطاء بتقديم مثل هذه التحاليل لغير المختصين والتي توافينا يوميًا بهذا السيل من التحليلات دون ضوابط والترويج لآراء سياسيه أو اجتماعية قد تتعارض مع ثقافة المجتمع ومصالحه الحالية والمستقبلية, وتثير كثير من الأخطاء حيث أن لكل حدث سياسي تأثيرات متعددة إعلامية, واقتصادية, واجتماعية, وعسكرية, ولا بأس أن يعلق المختص على أي من هذه الأبعاد حسب تخصصه ومعرفته, ولكن لا يتجرأ غير المتخصص ومن لا يملك أدوات التحليل والمعرفة الكافية على تحليل جوهر القضايا السياسية, والإستراتيجية ناهيك عن العسكرية فهذا أمر خطير وضار بالمصلحة العليا ومسيء لصاحبه, المشاهد الآن والقارئ المتميز يستطيع تبيّن المختص وغير المختص ممن همه الحضور الإعلامي فقط أو الفبركة الإعلامية والاجتهاد غير الموفق لقد أصبح لدينا وعي يدرك كل مايدور في الأفق ولكن لماذا لا نعطي القوس باريها لأنه من الخطأ الكبير جدًا أن نأتي بشخص يقوم بدمج التحليل العسكري والسياسي والاستراتيجي ويتشدق بما لا يعرف في عصر أصبح الكل فيه مدركون لما يدور في العالم كله, ولنترك كل صنعه لمن تخصص فيها حتى لا تصبح التحليلات حراج لمن كسدت بضاعته في أمور أخرى وعلى القنوات أن تأتي بأهل الخبرة والاختصاص بدلًا من الاختيار العشوائي في أمور مهمة وحساسة تتعلق بأحداث مهمة وخطيرة والله من وراء القصد..