مطيع النونو ">
الرجال العظام شديدو الثقة بأنفسهم، إن النجاح سلم لا يستطيع أي إنسان أن يتسلقه ويداه في جيبه، والشجرة يجب أن تمتد جذورها في الأرض قبل أن تزهر وتثمر. وهكذا الإنسان أن يحسن الانتصاب على قدميه واحترام نفسه، فالاعتماد على النفس من أعظم أركان الأخلاق.لذلك كان الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الشجرة المثمرة لأسرة آل سعود التي حفظت دولاتها في شبه جزيرة العرب باعتبارها أرض الآباء والأجداد لهذه الأسرة العريقة، وأوجد دولة قوية.
والحديث عن الملك سلمان عندما تولى البيعة لقيادة المملكة فإنه لا يلقي القول جزافا، ولا يرى نفسه أكثر من أب لأسرة عربية كبيرة في وطنه العزيز الخالد الذي وضع قواعده والده مؤسس الدولة السعودية. وأصبح مسؤولا أمام الله تعالى وأمام أسرته الكريمة وشعبه السعودي المؤمن بوطنه.
والملك عبدالعزيز وضع أمام أنجاله واجبات أخلاقية لتحقيقها استمرارا لعملية النهوض بهذا الكيان، وحددها بالواجبات الآتية:
أولاً: واجباتهم نحو الله والدين.
ثانياً: واجباتهم في حفظ أمجادهم وبلادهم.
ثالثاً: واجباتهم نحو شرفهم الشخصي والحرص على العمل الصالح، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتساند والتعاضد بين الملك وولي عهده عن طريق المشورة المخلصة، ولقطع الطريق في وجه كل طامع بهذا الكيان.
وترك الملك عبدالعزيز كلمات ناطقة ليطبقها كل من سيخلفه في تولي المسؤولية وهي تقوم على الفكر السياسي العريق المهتدي بشريعة الإسلام وكانت الضابط المفهوم للوطنية الثابتة دون تفريط بأي شبر من أراضيها. وبدوام التمسك بالعدالة التي نشرت لواء الأمان والاطمئنان.
والحقيقة أن الملك سلمان حفظه الله ورعاه قد التزم بتلك المزايا والمبادئ والأخلاق الكريمه فإنه تخرج أولا من مدرسة والده ثم من مدرسة أخيه الكبير الملك فهد -طيب الله ثراه - ثم تولى أميرا للرياض واتخذ القضاء من العدل أساس الحكم. كان يعالج أمور الدولة بحنكته الحقة السليمة وعندما يريد الإنسان المؤمن أن يعرف أخلاق الرجال العظماء ويظهر شرف نفوسهم بمقدار حبهم لوطنهم وإخلاصهم في خدمته. فالملك سلمان رعاه الله هو الصورة الحقة لتلك الآداب الإسلامية والعدل في الحكم.
ويقول الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي رحمه الله (واسمه أحمد بن عبدالصديق أبو الطيب الكوفي) وولد في العراق ولكنه من أبناء الطائفة العلوية:
(على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم)
(وتعظم في عين الصغير صغيرها
وتصغر في عين العظيم العظائم)
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس معادون خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». فالإنسان أقرب إلى خلال الخير من خلال الشر بأصل فطرته وقوته الناطقة العاملة.
لقد عرف التاريخ عبقرية الملك عبدالعزيز، وجهاده الجبار لرفع راية التوحيد على الجزيرة العربية والحكم بشرع الله تعالى، وحرص على استمرار الحكم الصالح لهذا الوطن باعتباره مهبط الحضارات السماوية والالتزام بكتاب الله «القرآن» الكريم الدائم هو دستور المملكة.
لذلك كان هذا الاستقرار السياسي والأمني الذي تحياه المملكة العربية السعودية في ظل قيادات فاعلة من أنجال الملك المؤسس الراحل -طيب الله ثراه-.
إذا أراد الله بأمة خيرا جعل يقظتها على أيدي قادتها لذلك كان الملك عبدالعزيز عظيما من عظماء الرجال وعبقريا من عباقرة التاريخ وجاء في الحديث النبوي الشريف: «ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين».
كما كان الملك عبدالعزيز من أعظم وأبرز الشخصيات السياسية في العالمين العربي والإسلامي وبصراحته ونظرته البعيدة للمستقبل. لأنه كان صاحب خلق وتقى وصالح لمجتمعه وذكي ونبيل في تواضعه. وترك الملك المؤسس الباني لجزيرة العرب إرثا عظيما لشعبه المسلم وكان يراهم جميعا أبناء له، عليه أن يرعاهم بالتربية والتوجيه الإسلامي السليم.
والحقيقة أن الملك عبد العزيز قد تحمل عبئا كبيرا وجهودا رائدة في إقامة هذا الكيان الكبير وبنضال مستمر من دون معين سوى من العلي القدير ومن الرجال المخلصين الذين التفوا حوله من أبناء هذا الوطن.
وعندما أكتب عن تاريخ المملكة العربية السعودية في ظل قيادة أنجال الملك عبد العزيز، باعتباري عشت مرحلة هامة من هذا التاريخ بعد وفاة المؤسس الباني- رحمه الله- وقد تجمع لدي قسم كبير من التاريخ المعاصر للدولة السعودية.
وفي أقل من خمسين سنة استطاع الملك عبدالعزيز أن ينشئ بين البحر الأحمر وخليج العرب ما عجز اثنا عشر قرنا عن إنشائه أو الإتيان بمثله».
لقد علم الملك عبد العزيز أنجاله فيما يخص العلاقات الأخوية مع العالم العربي. والتعامل الصادق مع قادة الدول العربية ودون التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودون أن يتدخل أحد بشؤون المملكة العربية السعودية وهذا خط أحمر وضعه المؤسس الراحل. وهذا الاهتمام من الملك عبد العزيز ما يطلق عليه الناحية «الأبوية» الصالحة، والجانب الإنساني الحي، وأخيرا وهو الأهم في تربية الأنجال على طريق الجهاد والنضال التي خاضها الملك الراحل أثناء الحروب لتحرير الجزيرة العربية من كل الدخلاء الذين سيطروا في الماضي بعدوانهم على تراث الآباء والأجداد، مع صيانة حدود الجزيرة العربية، ورد أي عدوان خارجي قد يقع من الأعداء على حدودها وكيانها.
وعلى أبناء المؤسس الأول العناية والرعاية لهذه «النواة» التي وضعها الملك عبد العزيز، وقد غدت «النواة» شجرة يانعة وكانت شجرة مفهوم الدولة الحديثة، في تلك العهود التي قامت بعد رحيل المؤسس الأول- طيب الله ثراه.