دحام عائض العنزي ">
كثيراً ما نفتقد في مناسباتنا الاجتماعية ومجالسنا الاعتيادية للحوارات الثقافية والنقاشات الفكرية، متناسين أن من شأنها أن تثري العقول وترفع المستوى المعرفي والمعلوماتي، وتنمِّي أيضاً القدرات الذهنية واللغوية لدينا. حتى بين الأصدقاء والزملاء تكون في الغالب أكثر الأحاديث روتينية ولا تتعلق إلا بالمهنة أو بالأحداث اليومية والهموم الحياتية المعتادة. أنا لا أتحدث عن الحوار بمفهومه التوعوي والتربوي، فهذا شأن آخر وهو مما نقرّ جميعاً بضروريته وحاجتنا الماسّة له خصوصاً بين الوالدين والأبناء، وبين الزوج وزوجته، وفي المجال الأُسَري عموماً، لكني أتحدث عن النقاشات والحوارات الفكرية والثقافية المفتوحة «إن صحّ التعبير» أثناء اللقاءات بيننا.. فرموز فكرية وأدبية مثل المتنبي وابن خلدون والإمام الذهبي على سبيل المثال لا الحصر لا يزوروننا في مجالسنا ولقاءاتنا إلا بشكل سنوي أو شبه سنوي، بينما يحل سوق العقار والأسهم والأخبار اليومية كأعضاء دائمي العضوية في المجلس. لا أقصد عدم طرح هذه المواضيع لأنه من الطبيعي التعريج على تلك الأخبار والمستجدات في شتى المجالات، لكن من غير الطبيعي أن تكون تلك المواضيع متسيّدة دائماً في أحاديثنا واهتماماتنا بشكل عام، وعلى حساب قضايا ومواضيع أكثر أولوية، فهناك مواضيع أو مشاكل اجتماعية جوهرية كالطلاق أو العنوسة أو فنون وطرق التعامل مع الطفل أو المراهق مع الأسف لا تُمس ولا تُطرق إلا نادراً وإذا طُرِقَت، فيكون فقط بشكل إخباري وسريع وخالٍ من التحليل والتأمل. في اعتقادي الشخصي أن سبب هذا النفور من هذه النقاشات وعدم الرغبة في الخوض فيها هو نقص الخزينة المعرفية والفكرية.. فلو كان الشخص ذا اطلاع ورغبة للقراءة، لتشكّلت تلقائياً لديه وجهات نظر ومفاهيم خاصة به يحتاج لطرحها ومناقشتها وتوضيحها، لكن إذا اختفى هذا الاطلاع واختفت الرغبة في القراءة، فمن غير المستغرب أن تختفي هذه النقاشات من مجالسنا ومناسباتنا. الاعتقاد المترسّخ بعدم وجود الجدوى والفائدة من هذه النقاشات يجعلها أيضاً غير محبذة وغير متواجدة في جلساتنا، وهذا بلا شك تصور واعتقاد خاطئ، لأن الجلسات الحوارية والثقافية قلَّما تخرج منها صفر اليدين إذا كانت بعيدة عن الجدلية والتجريح والشخصنة.
من الضروري في نظري أن تخف حدة هذه النمطية المتبعة في أحاديثنا ومحاولة إلقاء وتركيز الضوء على الجوانب المعرفية والفكرية لدينا وتطوير وتنمية هذه الجوانب، لأن لها دوراً لا يُستهان به في تشكيل البنية الشخصية للفرد وصياغة آرائه وانطباعاته عما يتلقاه وفيما يدور من حوله.