خالد بن عبدالله الغليقة ">
إن من أهم أسباب قوة أي كيان سياسي واستقلال أي دولة هو اعتزازها بتاريخها! ولا يشك مؤرِّخ أن بقدر هذا الاعتزاز تعتز تلك الدولة!
لكن الذي لا أستطيع الجزم به هو أن المؤرخين يشكون بأن ما من تاريخ لأي دولة إلا ويحمل بين صفحاته وأيامه عاصمة أو قاصمة؛ انتصارات وهزائم، وأن من أسباب عزة أي دولة وقوتها ومنعتها هو ربط تلك الهزائم والانتصارات والعواصم والقواصم برابط روحي أو عقدي!
إن تاريخ المملكة العربية السعودية لا يخرج عن هذا السياق التاريخي لكل دولة وكيان سياسي، فهو مزيج من عواصم وقواصم، وانتصارات وهزائم، لكنها في الدولة السعودية كانت تتمثل قول الله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، وقوله تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، وعلى رأس هؤلاء الملك عبد العزيز - رحمه الله - ومن معه من العلماء العاملين.
فهذه الانتصارات والهزائم والعواصم والقواصم يجب أن يُستفاد منها في دراسة التاريخ، حتى تكون سبيلاً وسبباً لإعزاز الدولة السعودية وتمتين سيادتها، فيجب أن يربط بعقيدة من بذلوا الغالي والنفيس لنشر مذهبهم العقدي، وهو المنهج السلفي؛ فلا انتصار للمتأخرين إلا عن طريق هذا المنهج، ولا عزة ولا قوة سياسية ولا سيادية ولا اقتصادية ولا تنموية، على الصعيد الأمني والسلم الاجتماعي إلا بتحقيق هذا المنهج؛ لأنه المنهج الوحيد الذي ألزمنا به ربنا سبحانه وتعالى، وجعله سبباً وسبيلاً للحصول على المكتسبات وتحقيق الانتصارات على جميع الصعد، فقد قال سبحانه وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) سورة النور. وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) سورة الأعراف.
ومن قرأ كلمات وأقوال وعبارات الملك عبد العزيز - رحمه الله - موحد هذه الجزيرة وباني هذا الكيان السياسي ومؤسس سيادتها ومهندس استقلالها يجد الربط المتين بين العقيدة والسياسة، والسيادة والانتصار، في المعركة العسكرية والأمنية.
وخلفه في ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله، فهو خير خلف لخير سلف، في ذاك الربط، وسار على المنهج نفسه، فكثيراً ما يلهج بدور الدعوة الإصلاحية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في قيام الدولة السعودية في أدوارها الثلاث، وكثيراً من نسمع منه في افتتاحه للمؤتمرات واللقاءات والحوارات الصحفية العبارات التي تربط سيادة الدولة وعزتها وقوتها بالعقيدة الصافية وبالشريعة الغراء.
وهذه رسالة من الملك سلمان أحد بناة الدولة وشاهد وعارف بتاريخها وسبب قوتها وعزتها، موجهة للمؤرخين والباحثين في التاريخ السياسي والسيادي والاجتماعي، بأن من أكبر الأخطاء على الدولة السعودية سياسياً وسيادياً واجتماعياً، وعلى مؤسسها أن يُدرس أو يدرّس تاريخها وتاريخ مؤسسها بمعزل عن العقيدة الصحيحة والشريعة النقية!