هناك العديد من الأمور والقضايا التي تواجهنا وتوقعنا بالحيرة، وتتطلَّب اجتهادات وتأويلات وتبريرات منطقية تشرح مضامينها لإقناعنا بصوابيتها. وهناك وقائع تدخل فيها فنون النصب والاحتيال فتربك القانون وتهزّ مسار العدالة. وهناك أمور أيضاً تَحْدُث وترمي بضررها على الناس، وذلك بفعل الجهل والغباء والحماقة والرعونة.. حيث يكون قد فات أوان التنبُّه للخطأ، ولم يعد من جدوى وفائدة لما يُسمّى «التعويض».
في افتتاح العرض الأول لإحدى المسرحيات، وضمن سياق العمل الدرامي عبر الحوار التمثيلي بَرَع أحد الممثلين في تجسيد دور «المحامي» بدرجة عالية من تقمُّص الشخصية بأدائه المقنع وحضوره الفني الرائع، ونال موجة عارمة من التصفيق المتواصل من قِبل الجمهور الحاضر، فقد استطاع – في سياق النصّ المسرحي – من تبرئة المتهم القابع في القفص أثناء المحاكمة.
وكالعادة في كلّ حفل افتتاح، وبعد أن يكون نص «المسرحية» قد أجازته «الرقابة»، تبقى الأمور ملاحقة من قِبل المسؤولين لرصد أي تغيير في النصّ أثناء الأداء المباشر، لذلك فقد حضر العرض أحد موظفي دائرة الرقابة بصحبة رجل من الشرطة القضائية. ذُهِلَ الرجلان من حرارة تصفيق الجمهور دليل الاعجاب ببراعة «المحامي»، فقاما فوراً بعد انتهاء العرض باعتقال الممثل، وذلك بتهمة انتحاله صفة «محامي»! وهو لا يملك شهادة في الحقوق ولا إذنا بممارسة المحاماة وحق المرافعة!!!
طبعاً، انتهت هذه الواقعة بفضيحة مجلجلة تناولتها الصحف بالتهكم والتندّر على ما يُسمّى «رقابة»!!
من جهة ثانية قَضَت محكمة بريطانية بسجن محتال يدعى «أمير سليم» لمدة أربع سنوات واربعة أشهر، بسبب انتحاله بالتزوير صفة «محام» بعد أن كَسِبَ دعوى من خلال مرافعاته الذكية في المحكمة أمام جهابذة من القضاة المشهود لهم، لموكله الذي كان قد وقع ضحية رجل محتال! لكن المحامية المنافسة راودتها الشكوك فبحثت وتقصَّتْ، فوجدت أن كل ما يحمله منافسها هو عبارة عن وثائق وإفادات وشهادات مزوَّرة بشكل احترافي كبير!!
بالنتيجة، فإن «المحامي» الأول، قد بَرَع في الدفاع عن المتهم وهو لا يحمل شهادة الحقوق، ومثله المحامي الثاني الذي كَسِبَ أيضاً دعوى التعويض لموكله!
في هذه الحالة، هل الشهادات الرسمية وحدها هي التي تُثَبِّتْ الحق وإرجاع الحقوق؟
ولماذا ردَّت المحكمة دعوى المحامي الثاني بعد صدور الحكم فيها بالاجماع، حيث لم تَشُبْها شائبة في تقديم الحجج والبراهين، وكان كل شيء تحت سقف القانون؟
طبعاً هناك «الدستور»، الذي تنبثق عنه القوانين التي تضع الأنظمة الملزمة والضابطة للجميع من دون استثناء، والتي تحدّد الحقوق والواجبات، ولذلك فإن القانون لا يتأثر «بالعواطف»، لكنه بصرامة وحزم يطلب «الشهادات» والدبلومات وخبرة التدرُّج لصون القضاء وحمايته ولتأكيد مبدأ الاختصاص.
ربما لهذه الأسباب مجتمعة قال أحد القضاة المتمرّسين لأكثر من مرّة: نحن نحكم بالقانون وليس بالعدل!!!
- غازي قهوجي
kahwaji.ghazi@yahoo.com