د. عبدالله بن عبدالعزيز الدغيثر ">
نشأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حرسه الله- تحت كنف والده جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وكان محل عنايته ورعايته، فتلقى تعليمه الأولي على يد عدد من العلماء الأجلَّاء، حيث التحق بمدرسة الأمراء التي كان قد أنشأها والده داخل قصره، وكان يديرها -آنذاك- فضيلة الشيخ عبدالله خياط (1415هـ) -رحمه الله- خطيب وإمام المسجد الحرام، وعضو هيئة كبار العلماء، فتعلَّم جلالته فيها العلوم الدينية، والعلوم الحديثة، وختم القرآن الكريم كاملاً في هذه المدرسة، واحتُفل بذلك في يوم الأحد الموافق: 12-8-1364هـ، وقد جمع جلالته في تعليمه بين تلقي العلوم الشرعية على أيدي كبار العلماء والمشايخ، وبين التثقيف الذاتي من خلال القراءة الذاتية، وطرح الأسئلة على ذوي الاختصاص، وكثرة الاطلاع والبحث في مختلف جوانب المعرفة، خصوصاً فيما يتعلق بالعلوم الشرعية، والعلوم الاجتماعية، وعلم الأنساب، والسياسة، إضافة إلى استفادته من مدرسة الحياة -مدرسة والده- الشيء الكثير في إدارة شؤون البلاد، وحسن التعامل مع الرعية، فكان لذلك الأثر الكبير في تنمية قدراته القيادية والسياسية.
وأما جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وعنايته بخدمة القرآن الكريم وأهله، فتظهر من خلال نواحٍ عدة، يمكن حصرها فيما يلي:
أولاً: ما يتمثل في حياته العلمية والعملية.
كان اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بالقرآن الكريم حفظاً وتعلُّماً ناشئاً منذ صغره؛ حيث استطاع أن يحفظ القرآن الكريم في سنٍّ مُبكِّرة من عمره، إضافة إلى تعلُّم أحكامه ومعانيه، من خلال ما يطرحه من الأسئلة على أصحاب الفن وذوي الاختصاص، وكان مُعلِّمه الأوَّل في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتفسيره، هو فضيلة الشيخ: عبدالله بن عبدالغني خياط (1415هـ) -رحمه الله- عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وإمام وخطيب المسجد الحرام، فكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يفتخر بذلك ويُقدِّر لمُعلِّمه هذا الفضل، ويحتفظ له بالجميل والشكر والعرفان، ولا ينس معروفه، حتى إنه وصفه في مناسبات عديدة بقوله: «والدنا الشيخ عبدالله خياط» وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على ما يتحلى به جلالته -حرسه الله- من جميل البر والإحسان، والتواضع الجم، والأدب الرفيع.
وقد كان جلالته كثير التلاوة للقرآن الكريم، وله ورد يومي يقرأ فيه القرآن الكريم، وأما في شهر رمضان المبارك فكان يمكث في المسجد يقرأ القرآن الكريم بعد الفجر إلى حين طلوع الشمس، وإذا أشكل عليه فهم آية ما، أرسل إلى بعض المُتخصصين في علوم القرآن الكريم يسأله عن تفسيرها، وهكذا كان القرآن الكريم في حياة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز نبراساً يضيء حياته، وقبساً يمشي على ضيائه، وقوتاً يستعين به على عزائم الأمور.
ثانياً: إقامة جائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، (للبنين والبنات).
يعود تاريخ إقامة هذه الجائزة لعام: 1418هـ، حيث أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يوْمَ أنْ كانَ أميراً لمنطقة الرياض -آنذاك- عن تخصيص جائزة مالية على نفقته الخاصة لا تقل عن مبلغ: (مليون ونصف المليون ريال) وربما تزيد في بعض الأعوام على ذلك، تشجيعاً وتحفيزاً للمُتميِّزِين والمُتميِّزات من الطلاب والطالبات في حفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، على مستوى جميع مناطق المملكة العربية السعودية، وذلك في كل عام، وتكون بإشراف جهاز وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ثم ولقد أشاد جلالته -حرسه الله- بأهمية هذه المسابقة، وما لها من أثر عظيم في تربية النشء على التعلُّق بكتاب الله تعالى، والتخلُّق بآدابه ومبادئه، حيث قال في كلمته خلال رعايته الحفل التكريمي للفائزين بالجائزة: «إن تشجيع الشباب والناشئة على حفظ كتاب الله الكريم من أعظم أنواع العناية بكتاب الله الكريم وخدمته، من أجل إعداد جيل صالح، مُحصَّن بالإيمان وأخلاق القرآن، وسأسعى -بعون الله- لبذل ما أستطيع...».
ولقد تركت هذه المسابقة خلال سبعة عشر عاماً أثراً إيجابياً واضحاً، وأيادٍ بيضاء ناصعة في نفوس الناشئة من أبناء وبنات المملكة العربية السعودية، ممن أكرمهم الله تعالى بحفظ كتابه العظيم، حيث تزداد أعداد المتسابقين والمتسابقات عاماً بعد عام، نحو القرآن الكريم والإقبال على حفظه وتعلُّمه وتعليمه، وإذكاء روح التنافس والتسابق إلى الخيرات، امتثالاً لقول المولى عز وجل: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين:26)، والفضل -بعد الله تعالى- لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه-.
ثالثاً: الرئاسة والإشراف على عدد من الجمعيات القرآنية.
لقد كان لجلالة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -سلمه الله- اهتماماً كبيراً وعناية فائقة في الإشراف على عدد من المؤسسات العلمية، التي تُعنى بالقرآن الكريم وتفسيره، ومن ذلك ما يلي:
1- الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض.
أنشئت هذه الجمعية عام: 1386هـ، وذلك في عهد جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- ومقرها الرئيس في مدينة الرياض، ولها أكثر من خمسة عشر فرعاً مُوزَّعة في مدينة الرياض والمناطق التابعة لها، وكان من أهدافها الرئيسة: العناية بكتاب الله تعالى حفظاً وتلاوة وفهماً، وتوجيه أبناء المسلمين -بنين وبنات- لتعلُّم القرآن العظيم وحفظه وتهيئة الجو المناسب لهم، واختيار المدرسين الأكفاء، ورصد جوائز وحوافز تشجيعية لتحقيق الهدف النبيل، في إعداد جيل من حفظة كتاب الله تعالى، مؤهلين للدعوة إلى الله -عز وجل-، وإمامة المصلين في المساجد، وتعليم القرآن الكريم.
وتحظى هذه الجمعية بدعم معنوي وحسي، ورعاية كريمة، من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -سلمه الله- حيث يتولى جلالته رعاية الحفل السنوي للجمعية، وتكريم حفظة كتاب الله تعالى، إضافة إلى احتفائه وشكره لرجال الأعمال الداعمين لهذه الجمعية، مما يكون سبباً في تقوية روح التواصل، وامتداد الدعم ومسيرة العطاء، بين رجال الأعمال والجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
2- الجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه (تبيان).
أنشئت هذه الجمعية عام: 1423هـ، ومقرها الرئيس بكلية أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولها فروع عدة في مختلف المناطق بالمملكة العربية السعودية، وتقوم على خدمة كتاب الله -عز وجل- ونشر هديه وعلومه بين الناس، وتطوير العلوم والمعارف النظرية والتطبيقية المتعلقة بالقرآن الكريم، من خلال مجالات متنوعة، ومن أهمها: إقامة الدورات والندوات العلمية والتربوية المتعلقة بالعلوم القرآنية، والعناية بالتراث العلمي في القراءات والتفسير وعلوم القرآن في مكتبات العالم، ونشر العديد من الكتب والأبحاث والدراسات العلمية المتخصصة في القرآن الكريم وعلومه.
رابعاً: مشروع الملك سلمان بن عبدالعزيز لتعليم القرآن الكريم عن بُعد.
أُطلق هذا المشروع في بداية هذا العام: 1436هـ بإشراف الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم (خيركم) بمدينة جدة، ويهدف إلى بناء نظام تعليمي إلكتروني يواكب ما وصلت إليه التقنية الحديثة اليوم؛ من أجل خدمة كتاب الله العظيم، ومساعدة الراغبين في تعلُّمه على الوجه السليم، وتصحيح التلاوة بأفضل السبل وأجود الآليات، وربط فئات المجتمع المسلم في أقطار العالم بالقرآن الكريم تلاوة وتجويداً، على الوجه الصحيح كما أُنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، مما يُساعد على فهم آيات القرآن الكريم، ويُعدُّ هذا المشروع من أهم المشروعات التعليمية التي تخدم شريحة كبيرة من المسلمين في أنحاء العالم كافة بدون مُقابل، حيث بلغ عدد المُستفيدين منه إلى أكثر من: (80000) مستفيد من خلال (75) دولة في العالم، وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز
-حفظه الله- لهذا المشروع بمبلغ: (ستة ملايين ريال)، وهذا مما يؤكد عناية حكومة هذه البلاد بالقرآن الكريم تعلُّماً وتعليماً، منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، وأبنائه الميامين من بعده، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -سلمه الله-، الذي وصلت فيه العناية بالقرآن الكريم مبلغاً عظيماً، وشأناً كبيراً، لم يسبق له مثيلٌ من قبل، ولذا فإن جلالته يستحق بحقّ لقَبَ: (خادم القرآن العظيم) فجزاه الله خيراً على ما قدَّم، وأجزل له الأجر والمثوبة في الدارين.
هذا بعض الجهود العظيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في خدمة القرآن الكريم وتفسيره، وقد ذكرتها على سبيل الاقتضاب، وإلاَّ فجهودُ جلالته في خدمة القرآن العظيم وأهله، (عطاءٌ مُسْتمر، ونماءٌ يتجدَّد).
وفق الله خادم القرآن العظيم، وخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى كل ما فيه خيرٌ للإسلام والمسلمين، ومتَّعه الله بطول العمر على طاعته ومرضاته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية