د.خالد بن صالح المنيف
قبل آلاف الســــــنين كان الفيلسوف الشهير ديوجنيس يطـــوف في الشوارع في وضح النهار ممسكًا بمصباح مضيء وكأنه يبحث عن شيء، وعندما يسأله أحد عمّا فقد، كان يقول: أفتش عن إنسان حقيقي، وأحسب أن الإنسان الحقيقي هو ذلك الإنسان العاقل الحكيم الذي يزن الأمور بميزان العقل مستشرفًا المستقبل متأملًا في العواقب، الإنسان الحقيقي : إنسان عفيف اللسان، نقي القلب، رابط الجأش، يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع، ويعرف متى يتكلم ومتى يصمت.
* البشر يتساوون في أوقات الرخاء ويتماثلون في أوقات السعة، فالكثير قد يدعون الكمال ويلمعون شخصياتهم ولكن الشدائد كفيلة بإعلان المضمر والحكم على الشخصية، ورحم الله ذلك الأب العاقل الذي سأله ابنه عن الوسيلة الأجود لقياس كفاءة أحد الأصدقاء فقال: أغضبه فإن أنصفك من نفسه عند الغضب، فثق بوفائه وأركن مطمئنًا إلى أخوته!
ستعلم إذا انجلى الغبار
أفرسًا ركبت أم حمار
أجمع العقلاء على أن سعادة البشر وشقاوتهم تعتمد على طبعهم، يقول المفكر الإنجليزي إيرل شافتوبوري: حدة الطبع وحدها قادرة على جعل المرء يعيش في تعاسة مهما كانت ظروفه مناسبة، وذائع الصيت.
الأديب نيتشه أكد على أن تزايد الحكمة مرهون بتناقص الطبع، وهناك شرقًا صنًف الصينيون دماثة الخلق على رأس مزايا العظماء، وقالها من هو خير من هؤلاء وهؤلاء اللّهم صل وسلم عليه والذي لا رشد في مخالفته: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب»، وامتدح الرفق وعظّم من شأنه، وجعل منه وصفة لتزيين الأمور.
فما أجمل صورة الحليم! وما أروع تصرفه! وليس بمستغرب أن منحته القلوب محبتها وجادت عليه النفوس بودِّها.
من التقنيات الرائعة والتي تعين على اتخاذ التصرف السليم هي التريث قبل أي ردة فعل ولمدة عشرين ثانية على الأقل دون قول أو فعل ؛ حتى يصل الحدث إلى القشرة المخية أو الدماغ المفكَّر وهو الآلة المعنية في الدماغ بقراءة المشاهد وتحليلها ثم اتخاذ القرارات السليمة، أما التصرف السريع والاندفاع المباشر فيعني أن (الدماغ العاطفي) قد (اختطف) المشهد وهو من قام بقراءته وغالب الحلول التي يقدمها حلول قائمة على العدوانية والحدية والعنف.
الجنرال سميدلي بتلر يقدم نموذجًا جميلًا في المقدرة على السيطرة الذاتية فقد أطلق عليه خصومه لقب (القذر بتلر) ولم يكن هذا هو النعت السيئ الوحيد الذي أُطلق عليه، بل جمع له مناوئوه قاموسًا من الشتائم، فهل تراه استجاب لمواقف الاستفزاز تلك؟
أبدًا، ولم يحرقه ذلك الشعورُ الملتهبُ بالغيظ وكان يقول: عندما أسمع أحدهم يشتمني فإنني لا أبالي حتى بإدارة رأسي لأتحقق من هو المتكلم!
في رحلة الحياة وفي خضم أمواجها الهوجاء سنخوض الكثير من المعارك وهناك نسبة لا بأس بها من تلك المعارك يتطلب الانتصار فيها انسحابًا تكتيكيًا وتراجعًا بطعم التقدم، وهناك معارك صغيرة الانتصار فيها يعد هزيمة (منكرة) ؛ وذلك لضخامة الأسلحة المستخدمة وحقارة المغنم! وهذا الأسلوب في التعامل مهم كي نحفظ للحياة استقرارها والسير على هذه (الشاكلة) هو ما يسعفنا للبقاء على صراط الحياة مهما تكالبت الظروف وتألبت علينا قوى الشر.
وأنصحك - قارئي العزيز - أن لا تتورط في معركة خاسرة مع شخص وقح أو أحمق ليس لديه ما يخسره مهما كانت الضغوطات والاستفزازات، وتأكد أنك عندما تتورط في تلك المعارك ستكون أنت الخاسر الأكبر!
ومضة قلم
في لحظة تشعر أنك شخص في هذا العالم، بينما يوجد شخص في العالم يشعر أنك العالم بأسره.