يَوْمٌ مُرْهَفٌ ">
يماري بفرحته، ويسكنه جذل طاغي، وحس مرهف حينما إنثالت في ممر النُّزُلْ رائحة عبق اللقاء بينهما. وجلٌ متوتر تفرضه تقاليد الضيافة واللقاء هنا، وصمت خاطف يرف.. فما لبث إلا وبدده صوت رتاج الباب وهو يتحرك إيذانا بدخولهما معاً أحدى غرف «نُزُلُ الهُولِي» الأنيقة.
ضيفان ما افترقا أبدا، ولا شعرا معاً بالبعداء، إلا أنهما الآن يؤثثان هنا لمشهد حميمي آسر، يغالب الشوق، ويرتسم مع الوقت على محياهما علامات حبور ودهشة، وزمن فائق التفاصيل.
الممر في الظهيرة يبدو خاليا، مما عكس انطباعاً بأن سكينة ما ستغمره.. داعبا الوقت وهادناه معاً، وجلسا على حافة الزمن مترقرقين كينبوع صاف، إلا «أنه» ظل يقاوم رغبة قوية تتفتق من سؤال ملحاح ومكرر.. أين أنت؟ فما وجد بدا من إغلاق «هاتفه المحمول» تيمناً بتدابير تأثيث الجو، ومهادنة الروح وتوقها.
وكبشارة ليوم متورد وهادئ لم يغرد هاتفها المحمول، ولم تنداح منها أنة واحدة، ليظلا لأول مرة يرخيان جفنيهما على كفوف الوعد، وآن لهما في هذه العتمة المستهامة أن ينشدا بلحن طروب: (جيتني مرحبا بك.. بعد طولة غيابك)، ليغرقا في حب التفاصيل الدقيقة.. عن سر هذا اللقاء الذي بات فيه ينشدان ولع الحكايات بتفاصيل يوم غير معتاد.
كأن بينهما والزمن ثارات كبيرة، ومواقف كثيرة.. فهاهما يبددا ساعات اللقاء، ولم يستفيقا من جذلهما بعد، إلا ويؤذِنَ المغيب بهدم تفاصيل هذا اليوم، فلوحا لبعضهما: (حل الرحيل).. فلا بد منه.. أنخ رحلك وودع المكان، ومن تحب، وقاوم رحلة الشوق.. «فلم يعد بعد العشية من عرار».
- محمد عبيد النقي